الأربعون
القصصية من السنة النبوية
(تابع
باب ما جاء في وجوب التوبة - الحديث الرابع)
&الحديث الرابع&
وحدثنا
سماع"من لفظه بالمسجد الحرام عند باب العمرةالشيخ العلامة
المحدث الزاهد يحي بن
عثمان المدرس العظيم آبادي[1],[2]،وأرويه
إجازة عن شيخي العلامة الفقيه حافظ ثناء
الله عيسى خان المدني[3]،والعلامة
المحدث عبدالوكيل بن عبدالحق الهاشمي ،قالوا جميعا" أخبرنا شيخنا العلامة المحدث
عبدالحق بن عبدالواحد الهاشمي _والد الأخير_قال : أخبرنا أحمد بن عبدالله المدني عن
عبدالرحمن بن عباس بن عبدالرحمن .
( ح ) وقال
شيخنا العلامة يحي بن عثمان المدرس أخبرنا شيخنا المسند سليمان بن عبدالرحمن
الحمدان عن غير واحد من مشايخه منهم أبي عبدالله محمد بن يوسف السورتي قراءة عليه
لمقدمة مسلم وبعض كتاب الإيمان وأجاز لكله ، عن الشيخ محمد الطيب المكي عن الشيخ
حسين بن محسن الأنصاري اليمني عن الشيخ محمد بن ناصر الحازمي .
..
وكلاهما
- عبدالرحمن بن عباس و محمد بن ناصر
الحازمي - يرويانه عن الشيخ العلامة محمد بن علي الشوكاني[4]
أخبرنا عبدالقادر الكوكباني قراءة عليه لجميعه عن الشيخ محمد حياة السندي المدني عن
سالم بن عبدالله البصري عن أبيه العلامة الشيخ عبدالله بن سالم البصري عن الشيخ
محمد علاء الدين البابلي عن أبي النجا سالم السنهوري عن النجم محمد بن أحمد الغيطي
عن الزين زكريا بن أحمد الأنصاري عن أبي نعيم رضوان العقبي عن الشريف أبي الطاهر
محمد بن الكويك عن أبي الفرج عبدالرحمن المقدسي عن أحمد بن عبدالدايم عن محمد بن
صدقة الحراني عن فقيه الحرم محمد الفراوي الصاعدي عن أبي الحسين عبدالغافر عن محمد
الجلودي – بضم الجيم بلا خلاف – عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن الإمام الحافظ أبي
الحسين مسلم بن الحجاج [5]
، قال
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ
الْمُثَنَّى قَالَا
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي
الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً
وَتِسْعِينَ نَفْسًا, فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى
رَاهِبٍ[6], فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ
نَفْسًا, فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا, فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ
مِائَةً, ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ, فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ
عَالِمٍ, فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ, انْطَلِقْ إِلَى
أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُد
اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ,
فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ, فَاخْتَصَمَتْ
فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ, فَقَالَتْ مَلائِكَةُ
الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ, وَقَالَتْ
مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ, فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ
فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ, فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ
الأََرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ, فَقَاسُوهُ
فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ, فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ
الرَّحْمَةِ, قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا
أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ[7].[8]
___________^__^__^_________
___^_
التعليق والشرح__^__
قصة الحديث
:
هذه قصة
رجل أسرف على نفسه بارتكاب الذنوب والموبقات ، حتى قتل مائة نفس ، وأي ذنب بعد
الشرك أعظم من قتل النفس بغير حق ؟! ، ومع كل الذي اقترفه إلا أنه كان لا يزال في
قلبه بقية من خير ، وبصيص من أمل يدعوه إلى أن يطلب عفو الله ومغفرته ، فخرج من
بيته باحثاً عن عالم يفتيه ، ويفتح له أبواب الرجاء والتوبة ، ومن شدة حرصه وتحريه
لم يسأل عن أي عالم ، بل سأل عن أعلم أهل الأرض ليكون على يقين من أمره ،
فدُلَّ على
رجل راهب والمعروف عن الرهبان كثرة العبادة وقلة العلم ، فأخبره بما كان منه ،
فاستعظم الراهب ذنبه ، وقنَّطه من رحمة الله ، وازداد الرجل غيّاً إلى غيِّه بعد أن
أُخْبِر أن التوبة محجوبة عنه ، فقتل الراهب ليتم به المائة
.
ومع ذلك لم
ييأس ولم يقتنع بما قال الراهب ، فسأل مرة أخرى عن أعلم أهل الأرض ، وفي هذه المرة
دُلَّ على رجل لم يكن عالماً فحسب ولكنه كان مربياً وموجهاً خبيراً بالنفوس
وأحوالها ، فسأله ما إذا كانت له توبة بعد كل الذي فعله ، فقال له العالم مستنكرا
ومستغربا : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!
حرمة
قتل النفس
أول
جناية قتل فى البشرية ،هى تلك التى قام بها أحد أولاد نبي الله آدم عليه السلام فى حق أخيه والتى سطرها الله فى
كتابه فقال عزوجل:
{
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ
قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
(27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا
بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ
فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ
(29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ
مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي
الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا
أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ
أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (31) المائده.
ولقد
جاء القرآن بعد ذالك محذرا" غاية التحذير من قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق
،فورد فيها آيات عدة تنهى عن ذالك وتحذر منه غاية التحذير منها :
قوله
تعالى :
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا النساء:
٢٩ - ٣٠
وقوله سبحانه ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) النساء: ٩٢ - ٩٣
وقوله سبحانه مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)) المائدة: ٣٢ – ٣٤ ((
وقوله سبحانه ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) النساء: ٩٢ - ٩٣
وقوله سبحانه مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)) المائدة: ٣٢ – ٣٤ ((
وَالَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ،يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)) الفرقان:
٦٨ (وَلاَ
تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ
مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [سورة الاسراء ـ الآية 33].
وجاءت
السنة الشريفة أيضا" تحذر من ذالك بشدة
وعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «
لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ
[9]».رواه
الترمذي(1455)
قال شيخنا ومجيزنا أبي
الحارث ماهر الفحل تعليقا" على هذا الحديث ::هذا الحديث وحده يكفي
لبيان عظيم حرمة دم المسلم ،
ثم تبصّر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام ،
نسأل الله السلامة .
وعن ابي
سعيد الخدري ،عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو أن أهل السماء
وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار.رواه الترمذي (1398)قال
الشيخ الألباني : صحيح
عن عبدالله
بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم،
يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسُول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب
الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة)).[10]
متفق عليه
عن أنس بن
مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكبر الكبائر: الإشراك
بالله، وقتل النفس، وعُقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: وشهادة الزور)). متفق
عليه
عَنْ عُقْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- « مَنْ لَقِىَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَتَنَدَّ
بِدَمٍ حَرَامٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ)رواه الترمذي.(2716)
يتندى معناه : يصيب منه وينال
وعن عبد
الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس
في الدماء [11].رواه
النسائي(3991(قال
الشيخ الألباني : صحيح
قلت وبرغم
ما ورد من تغليظ العقوبة على قتل النفس كما مر بنا من الأدلة ،فإن الله من رحمته
أنه لا يرد توبة رجل أتاه وطرق بابه ،نادما" على جرمه وهذا ما أشار إليه حديث الرجل
الذي قتل تسعا وتسعين نفسا
واكمل المئة
.
قال النووي
رحمه الله تعالى :
قوله صلى
الله عليه وسلم : ( إن رجلا قتل تسعا وتسعين نفسا ، ثم قتل تمام المائة ، ثم أفتاه
العالم بأن له توبة ) هذا مذهب أهل العلم ، وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمدا ،
ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس . وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا ، فمراد
قائله الزجر عن سبب التوبة ، لا أنه يعتقد بطلان توبته . وهذا الحديث ظاهر فيه ،
وهو إن كان شرعا لمن قبلنا ، وفي الاحتجاج به خلاف فليس موضع الخلاف ، وإنما موضعه
إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره ، فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك ، وهذا قد ورد
شرعنا به وهو قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون إلى قوله :
إلا من تاب الآية وأما قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها
فالصواب في معناها : أن جزاءه جهنم ، وقد يجازى به ، وقد يجازى بغيره وقد لا يجازى
بل يعفى عنه ، فإن قتل عمدا مستحلا له بغير حق ولا تأويل ، فهو كافر مرتد ، يخلد به
في جهنم بالإجماع ، وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة ،
جزاؤه جهنم خالدا فيها ، لكن بفضل الله تعالى أخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها ،
فلا يخلد هذا ، ولكن قد يعفى عنه ، فلا يدخل النار أصلا ، وقد لا يعفى عنه ، بل
يعذب كسائر العصاة الموحدين ، ثم يخرج معهم إلى الجنة ، ولا يخلد في النار ، فهذا
هو الصواب في معنى الآية ، ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم
ذلك الجزاء ، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم ، وإنما فيها أنها جزاؤه أي :
يستحق أن يجازى بذلك ، وقيل : إن المراد من قتل مستحلا ، قيل : وردت الآية في رجل
بعينه ، وقيل : المراد بالخلود طول المدة لا الدوام ، وقيل : معناها هذا جزاؤه إن
جازاه ، وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية ، وأما هذا
القول فهو شائع على ألسنة كثير من الناس ، وهو فاسد لأنه يقتضي أنه إذا عفي عنه خرج
عن كونها كانت جزاء ، وهي جزاء له ، لكن ترك الله مجازاته عفوا عنه وكرما ، فالصواب
ما قدمناه . والله أعلم .
قوله : (
انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى
أرضك فإنها أرض سوء ) قال العلماء : في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي
أصاب بها الذنوب ، والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم ،
وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن يقتدي بهم
، وينتفع بصحبتهم ، وتتأكد بذلك توبته .
قوله : (
فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت ) هو بتخفيف الصاد أي : بلغ نصفها
.
قوله : (
نأى بصدره ) أي نهض ، ويجوز تقديم الألف على الهمزة وعكسه ، وسبق في حديث أصحاب
الغار . وأما قياس الملائكة ما بين القريتين ، وحكم الملك الذي جعلوه بينهم بذلك ،
فهذا محمول على أن الله تعالى أمرهم عند اشتباه أمره عليهم ، واختلافهم فيه أن
يحكموا رجلا ممن يمر بهم ، فمر الملك في صورة رجل ، فحكم بذلك . [12].
قلت
وفى الحديث الفوائد
التربوية :
1- مشروعية التوبة من
جميع الكبائر ويحمل قبول توبة القاتل على أن الله تعالى يتكفل برضا
خصمه
2- وفيه أن
المفتي قد يجيب بالخطأ كذا قيل والأولى أن يقال إن الراهب أو العابد قد لا يكون
عالما فيفتي بغير الصواب
3- وفيه
إشارة إلى قلة فطنة الراهب لأنه كان من حقه التحرز ممن تجرأ على القتل حتى صار له
عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده وكان حقه أن يستعمل معه المعاريض مداراة عن
نفسه
4- وفيه
استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب فيها الذنوب والأصدقاء الذين ساعدوه على
المعاصي وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن
يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم وتتأكد بذلك توبته
5- وفيه أن
الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو
عاصيا
6- وأنهم
يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم
7- وفيه
فضل العالم على العابد
8- واستدل
به على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة إذا تنازعوا لأنهم قبلوا حكمه وهو
في صورة آدمي
9- وفيه
حجة لمن أجاز التحكيم
10- وأن من
رضى الفريقان حكمه فحكمه جار عليهم.[13]
والله
أعلم
[1] شيخ المحدث الزاهد يحي بن عثمان المدرس العظيم
آبادي ، المدرس بالمسجد الحرام ، ومعهد الحرم المكي حفظه الله ولد في الخامس
والعشرين من شهر شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف للهجرة ، بمحلة أجياد بمكة
المكرمة .وتلقى العلم على يد والده الشيخ المحدث عثمان المدرس العظيم آبادي أحد
خواص محدث الديار الهندية الإمام نذير حسين .كما أخذ عن أبي السمح عبدالمهيمن محمد
نور الفقيه المصري ، ومحمد عبدالرزاق حمزة وجماعة .وأخذ بالتلقي والإجازة عن الشيخ
عبدالحق الهاشمي ، والشيخ سليمان بن عبدالرحمن الحمدان ، والشيخ عبيدالله الرحماني
صاحب " مرقاة المفاتيح " ، والشيخ أبي سعيد محمد عبدالله نور إلهي بن شهرت إلهي
الهندي اللكنوي .ولا يزال الشيخ المترجم له يتمتع بالصحة والعافية ، ويدرس في
المسجد الحرام بمكة المكرمة بباب العمرة ، ويجيز طلاب الحديث بثبته " النجم البادي"
الذي صنعه له الشيخ الفاضل : أحمد بن عمر بازمول ، وفقه الله .[ انظر مقدمة ثبت
الشيخ المسمى بـ " النجم البادي في ترجمة العلامة المحدث السلفي يحي بن عثمان
المدرس العظيم آبادي " ]وقد حضرت له بعض دروسه في فتح المجيد وصحيح مسلم في المسجد الحرام
.
[2]
وقد سمعت عليه جزء من صحيح مسلم واستجزته بباقيه
فأجازنى
[3]
هو
الشيخ المبارك العلامة المحدث أبو النصرثناء الله مدني بن عيسى خان
بن إسماعيل خان الكلسوي
ثم اللاهوري الباكستاني السلفي ولد في قرية ( كلس )
من مضافات مدينة لاهور في
البنجاب سنة 1360هج . ( 1940 م)
بدأ دراسته الابتدائية
في قريته , وأتم بها حفظ القرآن في سن مبكرة .ورحل بعد ذلك الى لاهور ودرس في
جامعة أهل الحديث بها , وفي الجامعة المحمدية في أوكارة .ثم التحق بالجامعة
الاسلامية بالمدينة المنورة وحصل على الشهادة العالية بامتياز من كلية
الشريعة سنة 1968م.ورجع بعدها الى وطنه
,ودرس في الجامعة السلفية في فيصل آباد
ثم انتقل الى جامعة لاهور الاسلامية ولا يزال مدرسا
بها
[4]
أنظر إتحاف الأكابر من ص160 إلى ص167طـ مكتبة الجيل
صنعاء
[5]
هو الأمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ولد الأمام
مسلم رحمه الله في سنة206هـ
قاله ابن الأثير وصححه الحافظ بن حجر وتوفى
بنسابور سنة 261هـ عشية الآحد
لخمس بقين من رجب بنصر ظاهربنيسابور فعاش سبع وخمسين سنة,روى عنه الترمذي
حديثا" واحد.
[7] (نَأَى
بِصَدْرِهِ): أَي: نَهَضَ, وَيَجُوز تَقْدِيم الْأَلِف
عَلَى الْهَمْزَة وَعَكْسه.
[11]
أخرجه : البخاري 9/3 ( 6864 ) ، ومسلم 5/107 ( 1678 ) من حديث عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه ((
دون الشطر الأول ((.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق