اخر اخبارالموقع
أحدث المواضيع

ابحث فى الموقع

الاثنين، 14 يونيو 2021

فى ظلال قوله تعالى :(وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ...) الآية سورة التوبة: 65، 66.

#لِّيَدَّبَّرُوا_آيَاتِهِ_وَلِيَتَذَكَّرَ_أُولُو_الْأَلْبَابِ

قوله تعالى: {وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} سورة التوبة: 65، 66.

قال الإمام القرطبي: هذه الآية نزلت في غزوة تبوك؛ قال الطبري وغيره عن قتادة: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك، وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: انظروا، هذا يفتح قصور الشام ويأخذ حصون بني الأصفر، فأطلعه الله سبحانه على ما في قلوبهم وما يتحدثون به، فقال: احبسوا عليَّ الركب، ثم أتاهم فقال: قلتم كذا وكذا، فحلفوا: ما كنا إلا نخوض ونلعب، يريدون كنا غير مجدين.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون إلى قوله: مجرمين وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبت، ولكنك منافق. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب.

 ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم .وقد رواه الليث، عن هشام بن سعد، بنحو من هذا .[1]

المعنى العام:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ )لام قسم اى والله لئن سالتهم عن استهزائهم بك وبالقرآن وهم سائرون معك فى غزوة تبوك.

{ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) } يعنى قل ذلك توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به وإلزاما للحجة عليهم ولا تعبأ باعتذارهم الكاذب فجعلوا كانهم معترفون باستهزائهم حتى وبخوا بأخطائهم موضع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلى حرف التقرير وذلك يكون بعد ثبوت الاستهزاء كذا قالوا قلت قولهم انما كنا نخوض ونلعب اعتراف منهم بالاستهزاء ومعناه كنا نقول ما يفهم منه الاستهزاء لقطع مسافة الطريق على سبيل اللعب لا على قصد الاستهزاء.[2]

وهذه الآيات فيها دلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر، وأن الاستهزاء بآيات الله، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم أو بشيء مما جاء به صلى الله عليه وسلم كفر

قال الإمام عمادُ الدِّين الكِيا الهرَّاسي الشافعيّ: فيه دلالةٌ على أنَّ اللاَّعب والخائض سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه،

لأَنَّ المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِباً، فأخبر الله تعالى عن كفرهم باللَّعِب بذلك، ودلَّ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله تعالى كفرٌ[3].

وقال القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ رحمه الله : لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جدَّاً أو هَزْلاً، وهو كيفما كان كفرٌ،

فإِنَّ الهزلَ بالكفرِ كفرٌ، لا خلاف فيه بين الأمَّة. فإِنَّ التَّحقيق أخو الحقَّ والعلم، والهزلَ أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا: انظر إلى قوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ}.[4]

قال الإمام الواحدي النيسابوري الشافعي: أصل الخوض الدخول في مائع من الماء والطين، ثم كثر حتى صار اسما لكل دخول فيه تلويث وأذى، والمعنى: أنا كنا نخوض ونلعب في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق، فأجابهم الرسول بقوله (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)؟!

المسألة الثانية: أنه تعالى بين أن ذلك الاستهزاء كان كفرا، والعقل يقتضي أن الإقدام على الكفر لأجل اللعب غير جائز، فثبت أن قولهم (إنما كنا نخوض ونلعب)، ما كان عذرا حقيقيا في الإقدام على ذلك الاستهزاء، فلما لم يكن ذلك عذرا في نفسه نهاهم الله عن أن يعتذروا به، لأن المنع عن الكلام الباطل واجب، فقال (لا تعتذروا) أي: لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم.

المسألة الثالثة: قوله (قد كفرتم بعد إيمانكم) يدل على أحكام:

الحكم الأول: أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرا بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال.

الحكم الثاني: أنه يدل على بطلان قول من يقول: الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب.

الحكم الثالث: يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة، وإن كانوا منافقين من قبل، وأن الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالا فحالا. اهـ

قَولُه تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} يدلُّ على أنَّ الاستهزاءَ باللهِ كُفرٌ، وبالرَّسولِ أيضًا كُفرٌ؛ وذلك من جهةِ أنَّ الاستهزاءَ باللهِ وَحدَه كُفرٌ بالضَّرورةِ، فلم يكُن ذِكرُ الآياتِ والرَّسولِ شَرطًا، فعُلِمَ أنَّ الاستهزاءَ بالرَّسولِ كُفرٌ، وإلَّا لم يكُن لذِكْرِه فائِدةٌ، وكذلك الآياتُ، وأيضًا مِن جِهةِ أنَّ الاستهزاءَ بهذه الأمورِ مُتلازمٌ.[5]

وقال شيخ شيوخنا العلامة  السّعدي :

وفي هذه الآيات دليلٌ على أن مَن أسرَّ سريرةً خصوصا السَّريرة التي يَمكر فيها بِدينه ويَستهزئ به وبآياته وَرَسُولِهِ- فإن اللّه تعالى يُظهرها ويفضحُ صاحبَها ويُعاقبه أشدَّ العُقُوبةِ..وأن من استهزأ بشيء من كِتابِ اللّهِ أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرَّسول أو تَنقَّصَه فإنه كافرٌ باللّه العظيم- وأن التَّوبةَ مقبولةٌ من كل ذنب وإن كان عظيما .[6]



[1] " تفسير ابن كثير"(4/172).

[2] " التفسير المظهري"(4/260)، و" تفسير السراج المنير"(1/495).

[3] "محاسن التّأويل" (8/254) دار الفكر ط2 - 1398هـ.

[4]  "أحكام القرآن" لابن العربي (2/976)

[5] "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (15/48).

[6]  "تفسير السعدي" (ص: 342)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق