شرح الأربعون فى أحكام الحكم و الولاية[1]
الحديث الثاني عشر
باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَام، مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيَةً[2]
أخْبَرنَا الشيخُ الإمامُ، المُحدِّثُ الصادقُ، الواعظُ الكبيرُ، الحَكِيمُ المُفْتِي الفَقِيهُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ القَاضِي المُعَمَّرُ أَحْمَد حَسَن خَان بِنْ المُنَشَّى مُحَمَّد عَبْدالمَجِيدالطُّونكي ، أخْبَرنَاالشَّيخُ العلَّامة حَيّدَر حَسَن بْنِ أَحْمَدحَسَن الطُّونْكي (1281-1361هـ)قال: أخْبَرنَاالعَلَّامَة المُحَدِّث مُحمَّد نَذِيْر حُسَيْن بنِ جَوَاد عَلي الرَّضَوي العَظِيم آبَادِي،ثُمَّ الدِّهْلَوِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد إِسْحَاقَ الدِّهْلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّاهُ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ وَلِيِّ اللهِ أَحْمَدَ الدِّهْلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي ، أحمَد وَليُّ الله العُمَريُّ الدِّهْلَويُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الكُورَانِيُّ، أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ العُجَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ البَابِليُّ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّنْهُورِيُّ سَمَاعًا لِبَعْضِهِ وَإِجَازَةً، أَخْبَرَنَا النَّجْمُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الغَيْطِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَجَرٍ العَسْقَلاَنِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ لِلْكَثِيرِ مِنْهُ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ البَعْلِيُّ (ح)
وقَالَ العُجَيْمِيُّ: أَخْبَرَنَا عِيسَى الجَعْفَريُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَقْرِيُّ، أَخْبَرَنِي عَمِّي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَقْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّنْسِيُّ التِّلِمْسَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَرْزُوقٍ الحَفِيدُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الصِّدِّيقِ قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الحَجَّارُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بْنُ المُبَارَكِ الزَّبِيدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ،أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بنِ حَمُّويَهْ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرَبْرِيُّ ، أخْبَرنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا[3] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ"[4].
رجال الإسناد من الإمام البخاري: وهم خمسة.
* قوله: أي البخاري رحمه الله تعالى رحمة واسعة
* قوله: (محمد بن بشار) :هو محمدُ (بن بَشَّارِ) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري بُنْدَار -بضم الموحدة وفتحها وسكون النون- أحد أوعية السُّنَّة، وبُنْدَارٌ في الأصل: من في يده القانون وهو أصل ديوان الخراج، وإِنما قيل لهُ بُنْدار؛ لأنه كان بُنْدارًا في الحديث، جَمَعَ حديثَ بلده .[5]
روى عن عبد الوهاب الثقفي وغندر وروح بن عبادة وحرمي بن عمارة وابن أبي عدي ومعاذ بن هشام ويحيى القطان وابن مهدي وأبي داود الطيالسي ويزيد بن زريع ويزيد بن هارون وجعفر بن عون وبهز بن أسد وسالم بن نوح وحماد بن مسعدة وسهل بن يوسف وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعمر بن يونس اليمامي ومحمد بن عرعرة ومعاذ بن معاذ وأبي عامر العقدي وأبي علي الحنفي وعثمان بن عمر بن فارس ومحمد بن بكر البرساني وأمية بن خالد وأبي عاصم وعبد الملك بن الصباح وعبد الصمد بن عبد الوارث وخلق كثير.
و روى عنه الجماعة وروى النسائي عن أبي بكر المروزي وزكرياء السجزي عنه وأبو زرعة وأبو حاتم وبقي بن مخلد وعبد الله بن أحمد وابن ناجية وإبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا وزكرياء الساجي وأبو خليفة وابن خزيمة والسراج والقاسم بن زكريا المطرز ومحمد بن المسيب الأرغياني وابن صاعد والبغوي وآخرون.[6]
قال العجلي: بندار ثقةٌ كثيرُ الحديث ، وقال أبو حاتم: صدوق ، وقال النَّسائيُّ: صالحٌ لا بأسَ به.
وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة مات بالبصرة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله بضع وثمانون سنة (80).[7]
وقال الذهبيُّ: انْعَقَدَ الإِجماع بَعْدُ على الاحتجاج ببُنْدَار[8].
* قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) : هو ابن سعيد القطان ،وهو الحافظ، إمام النقَّاد، أبو سعيد، يحيى بن سعيد بن فرُّوخ، التميمي مولاهم، البصْري، القطَّان، الأحْول، ولد في بداية سنة عِشْرين ومائة؛ كما نقل عنه عمرو بن علي الفلاس.[9]
عُنِي بالحديث أشدَّ عناية، فلازم الإمامَ شُعْبة بن الحجَّاج عشرين سنة، يسمع حديثَه ويدوِّنه في أصوله، دون أن يَزيد على سماع أكْثَرَ من ثلاثةَ عشرَ حديثًا في كلِّ يوم[10] ، واستفاد من علمه في صيْرفة الرِّجال، وقد رحل في طلَب الحديث، فساد الأقران، وانتهى إليه الحِفْظ والإتقان، مع علوِّ كعْبه في عِلَل الحديث ونقْد الرِّجال. سمع هشام بن عُرْوة، وعطاء بن السَّائب، والأعمش، وحُميد الطَّويل، وسفيان الثوري، وسعيد بن أبي عروبة، وخلْقًا يصعُب حصرهم[11] ، وحدَّث عنه من شيوخه: شعبة، والسُّفيانان، ومِن أقْرانه: المعتمر بن سليمان، وعبدالرحمن بن مهدي.
وقد تخرَّج به الحفَّاظ؛ كأبي بكر بن أبي شيْبة، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، ومسدَّد، وغيرهم كثير[12].
قال أحمدُ بن حنبل[13]: "ما رأيتُ في هذا الشَّأن مثلَ يحيى بن سعيد"، وقال في موطن آخر: "إلى يحيى بن القطَّان المنتهى في التثبُّت"[14]، وقال علي بن المديني - شيخ البخاري -: "ما رأيتُ أثبت من يحيى بن القطَّان"[15] ، وذكر أنَّ سفيان الثوري لمَّا قدِم البصرة سأل عن رجُل يذاكره الحديث، فأُتِي بيحيى بن سعيد، فذاكره، فلمَّا خرج، قال لهم: "قلت لكم: جيئوني بإنسانٍ فجئْتموني بشيطان!"؛ لانبهارِه بحفظه وإتقانه.[16]
أمَّا معاصره عبدالرَّحمن بن مهدي، فقال ليحيى بن معين، عندما سأله عنه: "لا ترى بعيْنيْك مثل يحيى بن القطَّان أبدًا" ، وتوفي - رحِمه الله - في صفر سنةَ ثمانٍ وتِسْعين ومائة.[17]
* قوله : (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): هو شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ بن الوَرْد العَتكي مولاهم، أبي بِسْطام بكسر الموحدة وسكون المهملة، الواسطي ثم البصري، أحد أئمة الإِسلام.
روى عن معاوية بن قُرَّة، وأنس بن سيرين وثابت البُناني، والحكم وزُبَيد وزياد بن عِلاقة والأعمش وخلائق، ويروي عنه (ع) وأيوبُ وابنُ إِسحاق من شيوخه والثوريُّ وابنُ المبارك وأبو عامرٍ العَقَدِيُّ وعفّانُ بن مسلمٍ وخلائقُ.
كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا.[18]
قال ابنُ المَدِيني: له نحو ألفي حديث، وقال أحمد: شعبةُ أُمَّةٌ وحدَه، وقال الحاكم: شعبة إِمام الأئمّة، وهو أولُ مَنْ تَكَلَّمَ في رجال الحديث.
وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ مُتْقِنٌ، من السابعة، مات سنة ستين ومائة.
* قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ) :وفي نسخة: "حدثنا أبو التياح" و(التيَّاحِ) بفتح المُثنَّاة فوق وتشديد المُثنَّاة تحتُ بفتح المثناة والتحتانية الثقيلة يزيد بن حميد الضُّبَعي بضم المعجمة البصري عن أنس، ومطرف، وجب عة، وعنه هَمّام، والحمادان، وطائفة. قال أحمد: ثقة ثبت، قال عمرو بن علي: مات سنة 128، أخرج له الجماعة، وفي (ت) ثقة ثبت من الخامسة.
هو الإمام الحجة أبو التياح يزيد بن حميد الضُّبَعي بضم المعجمة البصري أحد الأئمة، حدث عن أنس بن مالك ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، ومطرف بن عبد الله بن الشخير ، وأبي عثمان النَّهْدي ، وأبي مجلز ، وموسى بن سلمة ، وحمران بن أبان ، وابن أبي مليكة ، والمغيرة بن سبيع ، وأبي زرعة البجلي ، والحسن البصري وعدة .
وعنه: سعيد بن أبي عروبة ، وشعبة ، وهمام ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وعبد الله ابن شوذب ، والمثنى بن سعيد ، وأبو هلال الراسبي ، وإسماعيل بن علية وخلق.
قال أحمد: ثبت ثقة ثقة ، وقال أبو حاتم: صالح ، وقال شعبة: إنما كنا نكنيه بأبي حماد وبلغني أنه كان يكنى بأبي التياح وهو غلام حجاج بن محمد عن شعبة قال قال أبو إسحاق سمعت أبا إياس يقول: ما بالبصرة أحد أحب إلي أن ألقى الله تعالى بمثل عمله من أبي التياح .
قال مسلم بن الحجاج: مات أبو جمرة وأبو التياح بسرخس ، وقال عمرو بن علي والترمذي: مات سنة ثمان وعشرين ومئة ، وقيل: بل توفي سنة ثلاثين ومئة، وأخرج له الجماعة.
* قوله:(عن أنس) ، وفي نسخة: "أنس بن مالك" ، وهو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري النجاري ، وهو صحابي مشهور خَدَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، وذكر ابن سعد أنه شهد بدرا .
له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا، اتفقا على مائة وثمانية وستين، وانفرد (خ) بثلاثة وثمانين، و (م) بأحد وسبعين، وروى عن طائفة من الصحابة، وعنه بنوه موسى والنضر، وأبو بكر، والحسن البصري، وثابت البناني، وسليمان التيمي، وخلق لا يحصون ، ، مات سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين .
قال العجلي: كان به وَضَحٌ، مات سنة تسعين، أو بعدها، وقد جاوز المائة، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم.
* لطائف إسناده:
* الحديث مسلسل بالأئمة الحفاظ الهنود فى أوله من شيخي إلى العلامة الشه أحمد ولى الله الدهلوي .
* فيه التحديث بصيغة التحديث جمعا وإفرادا (حدثنا ، وحدثني ، وأخبرنا ، وأخبرني).
* ورواته من طريق اللإمام البخاري بصريون إلا شعبة، فهو واسطيّ، وهو بَصريّ أيضًا .
* قد أخرجه البُخاريّ أيضاً في الصلاة عن محمد بن أبان، وفي الأحكام عن مسدد، وأخرجه ابن ماجَه في الجهاد.
* قوله :(السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَام، مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيَةً)
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على وجوب
قوله: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، أي في ما فيه طاعة لله.
وقوله: استُعْمِل، بضم المثناة على البناء للمفعول، أي جعل عاملًا بأن أَمّر إمارة عامة على البلد مثلًا، أو ولي فيها ولاية خاصة، كالإمامة في الصلاة أو في جباية الخَرَاج أو مباشرة الحرب، فقد كان في زمن الخلفاء الراشدين من تجتمع له الأمور الثلاثة، ومن يختص ببعضها.[19]
وقوله: حَبَشِي، بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة، منسوب إلى الحَبَشة، وللمصنف في الأحكام وإن استعمل عليكم عبد حَبَشِيّ، وهو أصرح في مقصود الترجمة.
وله في رواية بعد باب عن غندر بلفظ "قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍ: اسمع وأطع، ولو لحبشيّ كأنَّ رأسه زبيبة".
وأخرج مسلم عن أبي ذَرٍّ أنه انتهى إلى الرَّبذَة فإذا عبد يؤمهم، فذهب يتأخر لأجل أبي ذَرٍّ فقال أبو ذَرٍّ "إن خليلي صلى الله تعالى عليه وسلم أوصاني أنْ اسمعْ وأطعْ وإن كان عبدًا حَبَشيًا مُجدع الأطراف" وأخرجه الحاكم والبَيْهَقِيّ من هذا الوجه, وظهرت بهذه الرواية الحكمة في تخصيص أبي ذَرٍّ في هذه الرواية.
وأخرج مسلم أيضًا عن أم الحُصين "أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حِجَّة الوداع يقول: استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله".
وفي هذه الرواية فائدتان: تعيين جهة الطاعة، وتأريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-
وقوله: كأنّ رأسه زبيبة، واحدة الزبيب المأكول. المعروف الكائن من العنب إذا جف، قيل: إنما شبه رأس الحَبَشي بالزبيبة لتجمعها، ولكون شعره أسود ، وقيل شبهه بذلك لِصِغَر رأسه ، وذلك معروف في الحبشة، وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله، وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة، وعدم الاعتداد بها.[20]
ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه، ويحتمل أن يكون مأخوذًا من جهة ما جرت به عادتهم، أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه، واستدل به على المنع من القيام على السلاطين, وإن جاروا؛ لأن القيام على السلاطين يفضي غالبًا إلى أشد مما ينكر عليهم، ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشيّ.
والإمامة العُظْمى إنما تكون بالاستحقاق في قُرَيش، فيكون غيرهم متغلباً، فإذا أمر بطاعته استلزم النهي عن مخالفته والقيام عليه، ورده ابن الجَوْزِيّ بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الإمام، لا من يلي الإمامة العظمى. وقيل: المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق.
قلت[21]: هذا الحمل متعين إجماعًا، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقد قال الله تعالى في حق نبيه -صلى الله عليه وسلم- {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12].
ولا مانع من حمله على أعم مما قال ابن الجَوْزِيّ، فقد وجد من ولي الإمامة العُظْمى من غير قُريش من ذوي الشوكة متغلبًا، ويأتي إنْ شاء الله تعالى بسط ذلك في غير هذا المحل، وقد عكسه بعضهم، فاستدل به على جواز الإمامة في غير قُرَيش، وهو متعقب إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز، ويحتمل أن يسمى عبدًا باعتبار ما كان قبل العتق، وهذا كله إنما هو فيما يكون بطريق الاختيار، وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة، فإن طاعته تجب إخمادًا للفتنة ما لم يأمر بمعصية، كما مرَّ.
وقيل: المراد أن الإمام الأعظم إذا استعمل العبد الحبشيّ على إمارة بلد مثلًا، وجبت طاعته. وليس فيه أن العبد الحبشيّ يكون هو الإمام الأعظم.
وقال الخَطّابيّ: قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود، وهذا من ذاك، أطلق العبد الحبشيّ مبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يتصور شرعاً أن يلي ذلك.
* قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
وكثيرٌ من العُلماء المتأخرين يخصُّ اسم السُّنة بما يتعلق بالاعتقادات ؛ لأنَّها أصلُ الدِّين ، والمخالفُ فيها على خطرٍ عظيم ، وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : ( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف) ([22]) .
وفي " المسند " ([23]) عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟ فقالَ رسول الله r
:( لا طاعة لمن لم يُطع الله U ) .
وخرَّج ابن ماجه ([24]) من حديث ابن مسعود : أنَّ النَّبيَّ r قال : ( سيلي أمورَكم بعدي رجالٌ يطفئون من السنة ويعملون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ) فقلت : يا رسول الله إنْ أدركتُهم ، كيف أفعلُ ؟ قال : ( لا طاعة لمن عصى الله )[25] .
وفي أمره r باتِّباع سنَّته ، وسنَّة خلفائه الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لوُلاةِ الأُمور عموماً دليلٌ على أنَّ سنةَ الخلفاء الراشدين متَّبعة ، كاتِّباع سنته ، بخلاف غيرهم من وُلاة الأمور[26] .
قال (خ): العرب لا تعرف الإمارة، فَحَضَّهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على طاعتهم، والانقياد لهم في المعروف إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلدان؛ لئلا تتفرق الكلمة.[27]
--------------- -----------
[1] وهى الأربعينية السادسة للعبدالفقير إلى الله ، ومضت منها الأربعون الدرر فى فضل أبي بكر وعمر ، والأربعون العطرة فى حسن العِشْرَة ، والأربعون القصصية من الأثار النبوية ، وتحفة الأخوان بذكر أربعين حديث فى فضل القرآن ، إتحاف البرية بالأربعين البلدانية ...نسأل الله الإخلاص والقبول آمين
[2] قلت هذا تبويب الأمام البخاري رحمه الله تعالى فى صحيحه فى كتاب الأحكام باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية وهو الباب الرابع فى كتاب الأحكام
[3] حدثنا هذة العبارة من ارفع العبارت وهى لما سمعه من لفظ الشيخ...قال الخطيب البغدادى رحمه الله تعالى ((أرفع العبارت سمعت ثم حدثنا وحدثنى ثم اخبرنا وهو كثير في الاستعمال .وقال ابن الصلاح: حدثناواخبرنا ارفع من سمعت من جهة أنه ليس في سمعت دلاله ان الشيخ رواه اياه,بخلافهما. وقال الامام أحمد رحمه الله: اخبرنا أسهل من حدثنا,قال حدثنا شديد.
[4] أخرجه البخاري فى صحيحه كتاب الاذان باب إمامة العبد والمولى [693، وطرفه فى 696، 7142 - فتح: 2/ 184] ، وابن ماجه برقم (2860) فى الجهاد.
[5] انظر "تهذيب الكمال" (24/ 11)
[6] انظر تهذيب التهذيب(9/73)
[7] انظر تقريب التهذيب ص469
[8] انظر "ميزان الاعتدال" (3/ 490).
[9] تاريخ بغداد، 10/ 134.
[10] نفس المرجع، 10/ 136.
[11] سير أعلام النبلاء، 9/ 176، تهذيب التهذيب، 11/ 216.
[12] تهذيب التهذيب، 11/ 217.
[13] سير أعلام النبلاء، 9/ 176.
[14] تاريخ بغداد، 10/ 139، سير أعلام النبلاء، 9/ 177.
[15] سير أعلام النبلاء، 9/ 181.
[16] تهذيب التهذيب، 11/ 218.
[17] تهذيب التهذيب، 11/ 219، سير أعلام النبلاء، 9/ 187.
[18] تقريب التهذيب(266/ 2778)
[19] انظر فتح الباري - كتاب الأحكام - باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية_7142
[20] انظر: "البخاري بشرح الكرماني"(5/ 75) ، وأنظر تحفة الباري لشيخ الاسلام زكريا بن محمد بن الأنصاري (2/409)
[21] القائل هو العلامة محمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354هـ) ، انظر كوثَر المَعَاني الدَّرَارِي في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري (9/14)
([22]) أخرجه : أحمد 1/82 و94 ، والبخاري 5/203 ( 4340 ) و9/78 ( 7145 ) و9/109 ( 7257 ) ، ومسلم 6/15 ( 1840 ) ( 39 ) و6/116 ( 1840 ) ( 40 ) ، وأبو داود ( 2625 ) ، والنسائي 7/159 – 160 وفي " الكبرى " ، له ( 8722 ) من حديث علي بن أبي طالب ، به .
([23]) مسند الإمام أحمد 3/213 ، وإسناده لا بأس به إن شاء الله .
([24]) في " سننه " ( 2865 ) ، وإسناده حسن .
([25]) أخرجه :أحمد (1/399) ، وابن ماجه فى الجهاد (2865) ، والطبراني فى الكبير (10/173) من حديث عبدالله بن مسعود ، وقال العلامة الألباني :صحيح.
([26]) انظر جامع العلوم والحكم فى شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب ص(380/381).
[27] اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح لشمس الدين البِرْماوي(17/ 86)
الحديث الثاني عشر
باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَام، مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيَةً[2]
أخْبَرنَا الشيخُ الإمامُ، المُحدِّثُ الصادقُ، الواعظُ الكبيرُ، الحَكِيمُ المُفْتِي الفَقِيهُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ القَاضِي المُعَمَّرُ أَحْمَد حَسَن خَان بِنْ المُنَشَّى مُحَمَّد عَبْدالمَجِيدالطُّونكي ، أخْبَرنَاالشَّيخُ العلَّامة حَيّدَر حَسَن بْنِ أَحْمَدحَسَن الطُّونْكي (1281-1361هـ)قال: أخْبَرنَاالعَلَّامَة المُحَدِّث مُحمَّد نَذِيْر حُسَيْن بنِ جَوَاد عَلي الرَّضَوي العَظِيم آبَادِي،ثُمَّ الدِّهْلَوِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد إِسْحَاقَ الدِّهْلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّاهُ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ وَلِيِّ اللهِ أَحْمَدَ الدِّهْلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي ، أحمَد وَليُّ الله العُمَريُّ الدِّهْلَويُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الكُورَانِيُّ، أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ العُجَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ البَابِليُّ، أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّنْهُورِيُّ سَمَاعًا لِبَعْضِهِ وَإِجَازَةً، أَخْبَرَنَا النَّجْمُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الغَيْطِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَجَرٍ العَسْقَلاَنِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ لِلْكَثِيرِ مِنْهُ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ البَعْلِيُّ (ح)
وقَالَ العُجَيْمِيُّ: أَخْبَرَنَا عِيسَى الجَعْفَريُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَقْرِيُّ، أَخْبَرَنِي عَمِّي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَقْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّنْسِيُّ التِّلِمْسَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَرْزُوقٍ الحَفِيدُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الصِّدِّيقِ قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الحَجَّارُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بْنُ المُبَارَكِ الزَّبِيدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ،أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بنِ حَمُّويَهْ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرَبْرِيُّ ، أخْبَرنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا[3] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ"[4].
رجال الإسناد من الإمام البخاري: وهم خمسة.
* قوله: أي البخاري رحمه الله تعالى رحمة واسعة
* قوله: (محمد بن بشار) :هو محمدُ (بن بَشَّارِ) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري بُنْدَار -بضم الموحدة وفتحها وسكون النون- أحد أوعية السُّنَّة، وبُنْدَارٌ في الأصل: من في يده القانون وهو أصل ديوان الخراج، وإِنما قيل لهُ بُنْدار؛ لأنه كان بُنْدارًا في الحديث، جَمَعَ حديثَ بلده .[5]
روى عن عبد الوهاب الثقفي وغندر وروح بن عبادة وحرمي بن عمارة وابن أبي عدي ومعاذ بن هشام ويحيى القطان وابن مهدي وأبي داود الطيالسي ويزيد بن زريع ويزيد بن هارون وجعفر بن عون وبهز بن أسد وسالم بن نوح وحماد بن مسعدة وسهل بن يوسف وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعمر بن يونس اليمامي ومحمد بن عرعرة ومعاذ بن معاذ وأبي عامر العقدي وأبي علي الحنفي وعثمان بن عمر بن فارس ومحمد بن بكر البرساني وأمية بن خالد وأبي عاصم وعبد الملك بن الصباح وعبد الصمد بن عبد الوارث وخلق كثير.
و روى عنه الجماعة وروى النسائي عن أبي بكر المروزي وزكرياء السجزي عنه وأبو زرعة وأبو حاتم وبقي بن مخلد وعبد الله بن أحمد وابن ناجية وإبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا وزكرياء الساجي وأبو خليفة وابن خزيمة والسراج والقاسم بن زكريا المطرز ومحمد بن المسيب الأرغياني وابن صاعد والبغوي وآخرون.[6]
قال العجلي: بندار ثقةٌ كثيرُ الحديث ، وقال أبو حاتم: صدوق ، وقال النَّسائيُّ: صالحٌ لا بأسَ به.
وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة مات بالبصرة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله بضع وثمانون سنة (80).[7]
وقال الذهبيُّ: انْعَقَدَ الإِجماع بَعْدُ على الاحتجاج ببُنْدَار[8].
* قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) : هو ابن سعيد القطان ،وهو الحافظ، إمام النقَّاد، أبو سعيد، يحيى بن سعيد بن فرُّوخ، التميمي مولاهم، البصْري، القطَّان، الأحْول، ولد في بداية سنة عِشْرين ومائة؛ كما نقل عنه عمرو بن علي الفلاس.[9]
عُنِي بالحديث أشدَّ عناية، فلازم الإمامَ شُعْبة بن الحجَّاج عشرين سنة، يسمع حديثَه ويدوِّنه في أصوله، دون أن يَزيد على سماع أكْثَرَ من ثلاثةَ عشرَ حديثًا في كلِّ يوم[10] ، واستفاد من علمه في صيْرفة الرِّجال، وقد رحل في طلَب الحديث، فساد الأقران، وانتهى إليه الحِفْظ والإتقان، مع علوِّ كعْبه في عِلَل الحديث ونقْد الرِّجال. سمع هشام بن عُرْوة، وعطاء بن السَّائب، والأعمش، وحُميد الطَّويل، وسفيان الثوري، وسعيد بن أبي عروبة، وخلْقًا يصعُب حصرهم[11] ، وحدَّث عنه من شيوخه: شعبة، والسُّفيانان، ومِن أقْرانه: المعتمر بن سليمان، وعبدالرحمن بن مهدي.
وقد تخرَّج به الحفَّاظ؛ كأبي بكر بن أبي شيْبة، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، ومسدَّد، وغيرهم كثير[12].
قال أحمدُ بن حنبل[13]: "ما رأيتُ في هذا الشَّأن مثلَ يحيى بن سعيد"، وقال في موطن آخر: "إلى يحيى بن القطَّان المنتهى في التثبُّت"[14]، وقال علي بن المديني - شيخ البخاري -: "ما رأيتُ أثبت من يحيى بن القطَّان"[15] ، وذكر أنَّ سفيان الثوري لمَّا قدِم البصرة سأل عن رجُل يذاكره الحديث، فأُتِي بيحيى بن سعيد، فذاكره، فلمَّا خرج، قال لهم: "قلت لكم: جيئوني بإنسانٍ فجئْتموني بشيطان!"؛ لانبهارِه بحفظه وإتقانه.[16]
أمَّا معاصره عبدالرَّحمن بن مهدي، فقال ليحيى بن معين، عندما سأله عنه: "لا ترى بعيْنيْك مثل يحيى بن القطَّان أبدًا" ، وتوفي - رحِمه الله - في صفر سنةَ ثمانٍ وتِسْعين ومائة.[17]
* قوله : (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): هو شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ بن الوَرْد العَتكي مولاهم، أبي بِسْطام بكسر الموحدة وسكون المهملة، الواسطي ثم البصري، أحد أئمة الإِسلام.
روى عن معاوية بن قُرَّة، وأنس بن سيرين وثابت البُناني، والحكم وزُبَيد وزياد بن عِلاقة والأعمش وخلائق، ويروي عنه (ع) وأيوبُ وابنُ إِسحاق من شيوخه والثوريُّ وابنُ المبارك وأبو عامرٍ العَقَدِيُّ وعفّانُ بن مسلمٍ وخلائقُ.
كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا.[18]
قال ابنُ المَدِيني: له نحو ألفي حديث، وقال أحمد: شعبةُ أُمَّةٌ وحدَه، وقال الحاكم: شعبة إِمام الأئمّة، وهو أولُ مَنْ تَكَلَّمَ في رجال الحديث.
وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ مُتْقِنٌ، من السابعة، مات سنة ستين ومائة.
* قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ) :وفي نسخة: "حدثنا أبو التياح" و(التيَّاحِ) بفتح المُثنَّاة فوق وتشديد المُثنَّاة تحتُ بفتح المثناة والتحتانية الثقيلة يزيد بن حميد الضُّبَعي بضم المعجمة البصري عن أنس، ومطرف، وجب عة، وعنه هَمّام، والحمادان، وطائفة. قال أحمد: ثقة ثبت، قال عمرو بن علي: مات سنة 128، أخرج له الجماعة، وفي (ت) ثقة ثبت من الخامسة.
هو الإمام الحجة أبو التياح يزيد بن حميد الضُّبَعي بضم المعجمة البصري أحد الأئمة، حدث عن أنس بن مالك ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، ومطرف بن عبد الله بن الشخير ، وأبي عثمان النَّهْدي ، وأبي مجلز ، وموسى بن سلمة ، وحمران بن أبان ، وابن أبي مليكة ، والمغيرة بن سبيع ، وأبي زرعة البجلي ، والحسن البصري وعدة .
وعنه: سعيد بن أبي عروبة ، وشعبة ، وهمام ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وعبد الله ابن شوذب ، والمثنى بن سعيد ، وأبو هلال الراسبي ، وإسماعيل بن علية وخلق.
قال أحمد: ثبت ثقة ثقة ، وقال أبو حاتم: صالح ، وقال شعبة: إنما كنا نكنيه بأبي حماد وبلغني أنه كان يكنى بأبي التياح وهو غلام حجاج بن محمد عن شعبة قال قال أبو إسحاق سمعت أبا إياس يقول: ما بالبصرة أحد أحب إلي أن ألقى الله تعالى بمثل عمله من أبي التياح .
قال مسلم بن الحجاج: مات أبو جمرة وأبو التياح بسرخس ، وقال عمرو بن علي والترمذي: مات سنة ثمان وعشرين ومئة ، وقيل: بل توفي سنة ثلاثين ومئة، وأخرج له الجماعة.
* قوله:(عن أنس) ، وفي نسخة: "أنس بن مالك" ، وهو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري النجاري ، وهو صحابي مشهور خَدَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، وذكر ابن سعد أنه شهد بدرا .
له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا، اتفقا على مائة وثمانية وستين، وانفرد (خ) بثلاثة وثمانين، و (م) بأحد وسبعين، وروى عن طائفة من الصحابة، وعنه بنوه موسى والنضر، وأبو بكر، والحسن البصري، وثابت البناني، وسليمان التيمي، وخلق لا يحصون ، ، مات سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين .
قال العجلي: كان به وَضَحٌ، مات سنة تسعين، أو بعدها، وقد جاوز المائة، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم.
* لطائف إسناده:
* الحديث مسلسل بالأئمة الحفاظ الهنود فى أوله من شيخي إلى العلامة الشه أحمد ولى الله الدهلوي .
* فيه التحديث بصيغة التحديث جمعا وإفرادا (حدثنا ، وحدثني ، وأخبرنا ، وأخبرني).
* ورواته من طريق اللإمام البخاري بصريون إلا شعبة، فهو واسطيّ، وهو بَصريّ أيضًا .
* قد أخرجه البُخاريّ أيضاً في الصلاة عن محمد بن أبان، وفي الأحكام عن مسدد، وأخرجه ابن ماجَه في الجهاد.
* قوله :(السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَام، مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيَةً)
أي هذا باب ذكر الحديث الدال على وجوب
قوله: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، أي في ما فيه طاعة لله.
وقوله: استُعْمِل، بضم المثناة على البناء للمفعول، أي جعل عاملًا بأن أَمّر إمارة عامة على البلد مثلًا، أو ولي فيها ولاية خاصة، كالإمامة في الصلاة أو في جباية الخَرَاج أو مباشرة الحرب، فقد كان في زمن الخلفاء الراشدين من تجتمع له الأمور الثلاثة، ومن يختص ببعضها.[19]
وقوله: حَبَشِي، بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة، منسوب إلى الحَبَشة، وللمصنف في الأحكام وإن استعمل عليكم عبد حَبَشِيّ، وهو أصرح في مقصود الترجمة.
وله في رواية بعد باب عن غندر بلفظ "قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍ: اسمع وأطع، ولو لحبشيّ كأنَّ رأسه زبيبة".
وأخرج مسلم عن أبي ذَرٍّ أنه انتهى إلى الرَّبذَة فإذا عبد يؤمهم، فذهب يتأخر لأجل أبي ذَرٍّ فقال أبو ذَرٍّ "إن خليلي صلى الله تعالى عليه وسلم أوصاني أنْ اسمعْ وأطعْ وإن كان عبدًا حَبَشيًا مُجدع الأطراف" وأخرجه الحاكم والبَيْهَقِيّ من هذا الوجه, وظهرت بهذه الرواية الحكمة في تخصيص أبي ذَرٍّ في هذه الرواية.
وأخرج مسلم أيضًا عن أم الحُصين "أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حِجَّة الوداع يقول: استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله".
وفي هذه الرواية فائدتان: تعيين جهة الطاعة، وتأريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-
وقوله: كأنّ رأسه زبيبة، واحدة الزبيب المأكول. المعروف الكائن من العنب إذا جف، قيل: إنما شبه رأس الحَبَشي بالزبيبة لتجمعها، ولكون شعره أسود ، وقيل شبهه بذلك لِصِغَر رأسه ، وذلك معروف في الحبشة، وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله، وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة، وعدم الاعتداد بها.[20]
ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه، ويحتمل أن يكون مأخوذًا من جهة ما جرت به عادتهم، أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه، واستدل به على المنع من القيام على السلاطين, وإن جاروا؛ لأن القيام على السلاطين يفضي غالبًا إلى أشد مما ينكر عليهم، ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشيّ.
والإمامة العُظْمى إنما تكون بالاستحقاق في قُرَيش، فيكون غيرهم متغلباً، فإذا أمر بطاعته استلزم النهي عن مخالفته والقيام عليه، ورده ابن الجَوْزِيّ بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الإمام، لا من يلي الإمامة العظمى. وقيل: المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق.
قلت[21]: هذا الحمل متعين إجماعًا، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقد قال الله تعالى في حق نبيه -صلى الله عليه وسلم- {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12].
ولا مانع من حمله على أعم مما قال ابن الجَوْزِيّ، فقد وجد من ولي الإمامة العُظْمى من غير قُريش من ذوي الشوكة متغلبًا، ويأتي إنْ شاء الله تعالى بسط ذلك في غير هذا المحل، وقد عكسه بعضهم، فاستدل به على جواز الإمامة في غير قُرَيش، وهو متعقب إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز، ويحتمل أن يسمى عبدًا باعتبار ما كان قبل العتق، وهذا كله إنما هو فيما يكون بطريق الاختيار، وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة، فإن طاعته تجب إخمادًا للفتنة ما لم يأمر بمعصية، كما مرَّ.
وقيل: المراد أن الإمام الأعظم إذا استعمل العبد الحبشيّ على إمارة بلد مثلًا، وجبت طاعته. وليس فيه أن العبد الحبشيّ يكون هو الإمام الأعظم.
وقال الخَطّابيّ: قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود، وهذا من ذاك، أطلق العبد الحبشيّ مبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يتصور شرعاً أن يلي ذلك.
* قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
وكثيرٌ من العُلماء المتأخرين يخصُّ اسم السُّنة بما يتعلق بالاعتقادات ؛ لأنَّها أصلُ الدِّين ، والمخالفُ فيها على خطرٍ عظيم ، وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : ( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف) ([22]) .
وفي " المسند " ([23]) عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟ فقالَ رسول الله r

وخرَّج ابن ماجه ([24]) من حديث ابن مسعود : أنَّ النَّبيَّ r قال : ( سيلي أمورَكم بعدي رجالٌ يطفئون من السنة ويعملون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ) فقلت : يا رسول الله إنْ أدركتُهم ، كيف أفعلُ ؟ قال : ( لا طاعة لمن عصى الله )[25] .
وفي أمره r باتِّباع سنَّته ، وسنَّة خلفائه الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لوُلاةِ الأُمور عموماً دليلٌ على أنَّ سنةَ الخلفاء الراشدين متَّبعة ، كاتِّباع سنته ، بخلاف غيرهم من وُلاة الأمور[26] .
قال (خ): العرب لا تعرف الإمارة، فَحَضَّهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على طاعتهم، والانقياد لهم في المعروف إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلدان؛ لئلا تتفرق الكلمة.[27]
---------------
[1] وهى الأربعينية السادسة للعبدالفقير إلى الله ، ومضت منها الأربعون الدرر فى فضل أبي بكر وعمر ، والأربعون العطرة فى حسن العِشْرَة ، والأربعون القصصية من الأثار النبوية ، وتحفة الأخوان بذكر أربعين حديث فى فضل القرآن ، إتحاف البرية بالأربعين البلدانية ...نسأل الله الإخلاص والقبول آمين
[2] قلت هذا تبويب الأمام البخاري رحمه الله تعالى فى صحيحه فى كتاب الأحكام باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية وهو الباب الرابع فى كتاب الأحكام
[3] حدثنا هذة العبارة من ارفع العبارت وهى لما سمعه من لفظ الشيخ...قال الخطيب البغدادى رحمه الله تعالى ((أرفع العبارت سمعت ثم حدثنا وحدثنى ثم اخبرنا وهو كثير في الاستعمال .وقال ابن الصلاح: حدثناواخبرنا ارفع من سمعت من جهة أنه ليس في سمعت دلاله ان الشيخ رواه اياه,بخلافهما. وقال الامام أحمد رحمه الله: اخبرنا أسهل من حدثنا,قال حدثنا شديد.
[4] أخرجه البخاري فى صحيحه كتاب الاذان باب إمامة العبد والمولى [693، وطرفه فى 696، 7142 - فتح: 2/ 184] ، وابن ماجه برقم (2860) فى الجهاد.
[5] انظر "تهذيب الكمال" (24/ 11)
[6] انظر تهذيب التهذيب(9/73)
[7] انظر تقريب التهذيب ص469
[8] انظر "ميزان الاعتدال" (3/ 490).
[9] تاريخ بغداد، 10/ 134.
[10] نفس المرجع، 10/ 136.
[11] سير أعلام النبلاء، 9/ 176، تهذيب التهذيب، 11/ 216.
[12] تهذيب التهذيب، 11/ 217.
[13] سير أعلام النبلاء، 9/ 176.
[14] تاريخ بغداد، 10/ 139، سير أعلام النبلاء، 9/ 177.
[15] سير أعلام النبلاء، 9/ 181.
[16] تهذيب التهذيب، 11/ 218.
[17] تهذيب التهذيب، 11/ 219، سير أعلام النبلاء، 9/ 187.
[18] تقريب التهذيب(266/ 2778)
[19] انظر فتح الباري - كتاب الأحكام - باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية_7142
[20] انظر: "البخاري بشرح الكرماني"(5/ 75) ، وأنظر تحفة الباري لشيخ الاسلام زكريا بن محمد بن الأنصاري (2/409)
[21] القائل هو العلامة محمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354هـ) ، انظر كوثَر المَعَاني الدَّرَارِي في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري (9/14)
([22]) أخرجه : أحمد 1/82 و94 ، والبخاري 5/203 ( 4340 ) و9/78 ( 7145 ) و9/109 ( 7257 ) ، ومسلم 6/15 ( 1840 ) ( 39 ) و6/116 ( 1840 ) ( 40 ) ، وأبو داود ( 2625 ) ، والنسائي 7/159 – 160 وفي " الكبرى " ، له ( 8722 ) من حديث علي بن أبي طالب ، به .
([23]) مسند الإمام أحمد 3/213 ، وإسناده لا بأس به إن شاء الله .
([24]) في " سننه " ( 2865 ) ، وإسناده حسن .
([25]) أخرجه :أحمد (1/399) ، وابن ماجه فى الجهاد (2865) ، والطبراني فى الكبير (10/173) من حديث عبدالله بن مسعود ، وقال العلامة الألباني :صحيح.
([26]) انظر جامع العلوم والحكم فى شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب ص(380/381).
[27] اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح لشمس الدين البِرْماوي(17/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق