الجواب اللطيف في مسألة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد
الكاتب : أبو عبد الرحمن حاتم محمد شلبي الفلازوني
الحمد لله رب العالمين وصلاة" وسلاما" على من أرسله الله رحمه للعالمين ,وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ..وبعد
فقد سألت إحدى الأخوات الكريمات, بقولها
نَقَل الْشَّيْخ وَحِيْد عَبْد الْسَّلَام بَالَى كَلَام الْحَافِظ بْن حُجْر عَلَى حَدِيْث ابْن مَسْعُوْد فِي الْسَّلام عَلَى الْنَّبِي فِي الْتَّشَهُّد
وَقَال)): قَد ثَبَت ذَالِك فِي مُصَنَّف عَبْد الْرَّزَّاق عَن ابْن الْزُّبَيْر,وَفِي الْموِطَاء(1/91) عَن ابْن عُمَر,وَعِنْد ابْن ابِي شَيْبَة (1/293) وَعَن عَائِشَة أنهم كَانُوْا
يَقُوْلُوْن الْسَّلام عَلَى الْنَّبِي ))قُلْت(بَالِي) فَعَلَى هَذَا
تَكُوْن هَذّة الْصِّيْغَة ((الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي))هِى الأولى
بالإتيان بِهَا لِفِعْل الْصَّحَابَة رضي الْلَّه عَنْهُم .أ.هــ فما رأيكم
في ذالك؟
قلت ((أبو عَبْد الْرَّحْمَن)):
قَد سَبَق الْشَّيْخ وَحِيْد الَى هَذَا الْقَوْل جَمَع مِنْهُم الْشَّيْخ الألباني فِي صِفَة صَلَاة الْنَّبِي وَانْتَصِر لِهَذَا الرأي قَائِل"((
قُلْت : وَقَوْل ابْن مَسْعُوْد " قُلْنَا : الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي "
يَعْنِي أَن الْصَّحَابَة رَضِي الْلَّه عَنْهُم كَانُوْا يَقُوْلُوْن :"
الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي " فِي الْتَّشَهُّد وَالْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم حَي ، فَلَمَّا مَات عَدَلُوْا عَن ذَلِك
وَقَالُوْا :" الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي " وَلَا بُد أَن يَكُوْن ذَلِك
بِتَوْقِيْف مِنْه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَيُؤَيِّدُه أَن
عَائِشَة رَضِي الْلَّه عَنْهَا كَذَلِك كَانَت تَعْلَمُهُم الْتَّشَهُّد
فِي الْصَّلاة " الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي " رَوَاه الْسَّرَّاج فِي
مُسْنَدِه وَالْمُخَلِّص فِي الْفَوَائِد بِسَنَدَيْن صَحِيْحَيْن عَنْهَا
)) صِفَة صَلَاة الْنَبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ص143.
وأيضا" تِلْمِيْذِه الْشَّيْخ حَسَن مَشْهُوْر حَتَّى انَّه عَنْوَن عُنْوَان سَمَّاه[ غَلَط قَوْل " الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي " فِي الْتَّشَهُّد ] فِي كِتَابِه الْقَوْل الْمُبِين فِي أَخْطَاء الْمُصَلِّيْن ص152 .
وقد عجبت من هذا التخطيء والتغليط فَلَيْس مِن الْغلط أن نسلم عَلَى
الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بصيغة ((السلام عليك أيه
النبي)) فَقَد ثَبّت عَنْه أَكْثَر مِن صِيْغَة فِي الْتَّشَهُّد، وَهَذِه
الصِّيَغ الْمُخْتَلِفَة لَيْس بَيْنَهَا تَعَارَض ، وليس بينها تُضَاد
حَتَّى يَقَع الْتَّرْجِيْح بَيْنَهَا، فَمَا الْتَّشَهُّد إِلَا
تَعَظِيْم لِلَّه تَعَالَى ، وَإِذَا أَدَّى الْمُصَلِّي صَلَاتَه بِأَي
صِيْغَة مِن الصِّيَغ الْوَارِدَة فِي صَحِيْح الْأَحَادِيْث فَقَد أَدَّى
الْسُّنَّة، وَقَد عَلِم عُمَر بْن الْخَطَّاب الْمُسْلِمِيْن صِيْغَة
الْتَّشَهُّد مِن فَوْق الْمِنْبَر، وَلَم يُعَارِضْه أَحَد مَع أَن
فِيْهِم مَن يَحْفَظ عَن الْنَّبِي صِيْغَة أُخْرَى غَيْر الَّتِي يَقُوْل
بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب
فقد جَاء في الأثر انه كان رَضِي الْلَّه عَنْه: يُعَلِّم الْنَّاس
الْتَّشَهُّد وَهُو عَلَى الْمِنْبَر ؛ يَقُوْل :" قولوا التحيات لِلَّه ،
الْزَّاكِيَات لِلَّه ، الْطَّيِّبَات [ لِلَّه ] ، الْسَّلَام عَلَيْك ...
(وَالْبَاقِي مِثْل تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد) " .وقد أَخْرَجَه الْإِمَام
مَالِك (1/113) ، وَعَنْه الْإِمَام مُحَمَّد (107) .وَالطَّحَاوِي (1/154) ، وَالْبَيْهَقِي (2/144)
عَن مَالِك عَن ابْن شِهَاب عَن عُرْوَة بْن الْزُّبَيْر عَن عَبْد
الْرَّحْمَن بْن عَبْد الْقَارِي :أَنَّه سَمِع عُمَر بِن الْخَطَّاب وَهُو
عَلَى الْمِنْبَر ، يَعْلَم الْنَّاس ..َ.
وَهَذَا سَنَد صَحِيْح - كَمَا قَال الْزَّيْلَعِي (1/422) - ، وَرِجَالُه رِجَال السِّتَّة . وَالْزِّيَادَة لِلْبَيْهَقِي ...ثُم أَخْرَجَه مِن طَرِيْق مَعْمَر عَن الْزَّهْرِي بِه دُوْنَهَا . قَال مَعْمَر :كَأَن الْزُّهْرِي يَأْخُذ بِه ، وَيَقُوْل : عَلَّمَه الْنَّاس عَلَى الْمِنْبَر ، وَأَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مُّتَوَافِرُوْن لَا يُنْكِرُوْنَه . قَال مَعْمَر : وَأَنَا آَخُذ بِه .ثُم رَوَاه مَالِك وَغَيْرُه عَن عَائِشَة بِنَحْوِه ؛ مَوْقُوْفا بِتَقْدِيْم وَتَأْخِيْر . فَدَل ذَلِك عَلَى أَن الْأَمْر وَاسِع، وَأَن إِيْجَاب صِيْغَة، وَالْمَنْع مِن أُخْرَى إِنَّمَا هُو مِن تَضْيِيْق الْوَاسِع. وَكَيْف يَكُوْن غَلَطَا وَقَد قَالَه عَدَد مِن صَحَابَة رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم غير عمر أيضا"منهم َابْنِه عَبْد الْلَّه بن عُمَر ابن الْخَطَّاب رَضِي الْلَّه عَنْهما.
وَجَاء
فِيْه : عَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَنَّه قَال
فِي الْتَّشَهُّد :" الْتَّحِيَّات لِلَّه ، [ و ] الْصَّلَوَات ، [ و
] الْطَّيِّبَات ، الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي))
أَخْرَجَه أَبُو دَاوُد (1/153) ، وَالطَّحَاوِي (1/154) ، وَالْدَّارَقُطْنِي (134) ،وَالْبَيْهَقِي (2/139) ، وَالْضِّيَاء الْمَقْدِسِي فِي " الْمُخْتَارَة "
وابْن
عَبَّاس رَضِي الْلَّه عَنْه:وجاء فيه: كَان رَسُوْل الْلَّه صَلَّى
الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُعَلِّمُنَا الْتَّشَهُّد ، كَمَا يُعَلِّمُنَا الْسُّوْرَة مِن الْقُرْآَن ؛فَكَان يَقُوْل : " الْتَّحِيَّات ، الْمُبَارَكَات ، الْصَّلَوَات ، الْطَّيِّبَات لِلَّه ،
الْسَّلَام (وَفِي رِوَايَة : سَلَام) عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي !
وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه ، الْسَّلَام (وَفِي رِوَايَة : سَلَام)
عَلَيْنَا ، وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن ، أَشْهَد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الْلَّه ، و [ أَشْهَد ] أَن مُحَمَدّا رَسُوْل الْلَّه
(وَفِي رِوَايَة : عَبْدُه وَرَسُوْلُه) "
وَالْحَدِيْث أَخْرَجَه مُسْلِم (2/14) ، { وَأَبُو عَوَانَة [2/227 و 228] } ، وَأَبُو دَاوُد(1/154) ، وَالْنَّسَائِي (1/175) ، وَالْتِّرْمِذِي (2/83) ، وَابْن مَاجَه (1/291 - 292) ، وَالطَّحَاوِي (1/155) ، وَالْدَّارَقُطْنِي (133) ، وَالْبَيْهَقِي (2/140) ، وَأَحْمَد (1/292)
مِن طُرُق عَن الْلَّيْث بْن سَعْد عَن أَبِي الْزُّبَيْر عَن سَعِيْد بْن
جُبَيْر وطاووس عَنْه . وَنَقَل الْشَّيْخ الالْبَانّى عَن الْشَّافِعِى
أخذه لِهَذَا الْحَدِيْث قَائِلا": وَبِه أَخَذ الْشَّافِعِي وَأَتْبَاعُه .
وَفِي " الْفَتْح " (2/252)
:" وَقَال الْشَّافِعِي - بَعْد أَن أَخْرَج الْحَدِيْث - : رَوَيْت
أَحَادِيْث فِي الْتَّشَهُّد مُخْتَلِفَة ،وَكَان هَذَا أَحَب إِلَي ؛
لِأَنَّه أَكْمَلُهَا . وَقَال فِي مَوْضِع آَخَر - وَقَد سُئِل عَن
اخْتِيَارِه تشهدا بن عَبَّاس ؟ - : لِمَا رَأَيْتُه وَاسِعَا ،
وَسَمِعْتُه عَن ابْن عَبَّاس صَحِيْحا ؛ كَان عِنْدِي أَجْمَع ،
وَأَكْثَر
لَفْظَا مِن غَيْرِه ، وَأَخَذَت بِه غَيْر مُعَنِّف لِمَن يَأْخُذ
بِغَيْرِه مِمَّا صَح " .انْظُر صِفَة صَلَاة الْنَّبِي الْسَّابِق
وَعَائِشَة ام المؤمنين رضي الله عنها وقد مر, وَأَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِيِ ّرَضِي الْلَّه عَنْه وَجَاء فِيْه)) فَلْيَكُن مِن أَوَّل قَوْل أَحَدِكُم : الْتَّحِيَّات الْطَّيِّبَات الْصَّلَوَات لِلَّه ، الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي ! وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه ، الْسَّلَام عَلَيْنَا ، وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن ، أَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه ، وَأَشْهَد أَن مُحَمّدَا عَبْدُه وَرَسُوْلُه ")) .
وَعَائِشَة ام المؤمنين رضي الله عنها وقد مر, وَأَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِيِ ّرَضِي الْلَّه عَنْه وَجَاء فِيْه)) فَلْيَكُن مِن أَوَّل قَوْل أَحَدِكُم : الْتَّحِيَّات الْطَّيِّبَات الْصَّلَوَات لِلَّه ، الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي ! وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه ، الْسَّلَام عَلَيْنَا ، وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن ، أَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه ، وَأَشْهَد أَن مُحَمّدَا عَبْدُه وَرَسُوْلُه ")) .
وَقَد
قَرَّر الْمُحَقِّقُوْن مِن أَهْل الْعِلْم أَن اخْتِلَاف صِيَغ
الْتَّشَهُّد الْوَارِدَة عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
إِنَّمَا هِي مِن اخْتِلَاف الْتَنَوُّع وَلَيْسَت مِن اخْتِلَاف
الْتَّضَاد . فَإِذَا جَاء الْمُصَلِّي بِأَي صِيْغَة مِنْهَا أَجْزَأَه
وَلَا حَرَج عَلَيْه وَلَا يَصِح حَمْل الْمُصَلِّي عَلَى صِيْغَة وَاحِدَة
فَقَط وَهِي قَوْل " الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي " ,مَتَى ثَبَت أَكْثَر مِن صِيْغَة فِي الْتَّشَهُّد، وَقَد ثَبَت,
ثُم
إِن هَذِه الْصِّيَغ الْمُخْتَلِفَة لَيْس بَيْنَهَا تَعَارَض ، أَو
تُضَاد حَتَّى يَقَع الْتَّرْجِيْح بَيْنَهَا، فَمَا الْتَّشَهُّد إِلَا
تَعَظِيْم لِلَّه تَعَالَى ، وَإِذَا أَدَّى الْمُصَلِّي صَلَاتَه بِأَي
صِيْغَة مِن الصِّيَغ الْوَارِدَة فِي صَحِيْح الْأَحَادِيْث فَقَد أَدَّى
الْسُّنَّة، وَقَد عَلِم عُمَر بْن الْخَطَّاب الْمُسْلِمِيْن صِيْغَة
الْتَّشَهُّد مِن فَوْق الْمِنْبَر، وَلَم يُعَارِضْه أَحَد مَع أَن
فِيْهِم مَن يَحْفَظ عَن الْنَّبِي صِيْغَة أُخْرَى غَيْر الَّتِي يَقُوْل
بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب، فَدَل ذَلِك عَلَى أَن الْأَمْر وَاسِع، وَأَن
إِيْجَاب صِيْغَة، وَالْمَنْع مِن أُخْرَى إِنَّمَا هُو مِن تَضْيِيْق
الْوَاسِع.
قَال الْإِمَام
الْشَّافِعِي :[ قَال لِي قَائِل : قَد اخْتُلِف فِي الْتَّشَهُّد ،
فَرَوَى ابْن مَسْعُوْد عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم :"
أَنَّه كَان يَعْلَمُهُم الْتَّشَهُّد كَمَا يُعَلِّمُهُم الْسُّوْرَة مِن
الْقُرْآَن " فَقَال فِي مُبْتَدَاه : ثَلَاث كَلِمَات :( الْتَّحِيَّات
لِلَّه ) فَبِأَي الْتَّشَهُّد أَخَذَت ؟ فَقُلْت : أَخْبَرَنَا مَالِك عَن
ابْن شِهَاب عَن عُرْوَة عَن عَبْد الْرَّحْمَن بْن عَبْد الْقَارِي
أَنَّه سَمِع عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُوْل عَلَى الْمِنْبَر ، وَهُو
يُعَلِّم الْنَّاس الْتَّشَهُّد يَقُوْل : قُوْلُوْا :" الْتَّحِيَّات
لِلَّه الْزَّاكِيَات لِلَّه ، الْطَّيِّبَات الْصَّلَوَات لِلَّه
الْسَّلام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه
الْسَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن أَشْهَد أَن
لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه وَأَشْهَد أَن مُحَمَّدا عَبْدُه وَرَسُوْلُه "
قَال الْشَّافِعِي : فَكَان هَذَا الَّذِي عَلّمَنَا مِن سَبَقَنَا
بِالْعِلْم مِن فُقَهَائِنَا صِغَارَا ثُم سَمِعْنَاه بِإِسْنَاد
وَسَمِعْنَا مَا خَالَفَه فَلَم نَسْمَع إِسْنَادِا فِي الْتَّشَهُّد
يُخَالِفُه وَلَا يُوَافِقَه أَثْبَت عِنْدَنَا مِنْه وَإِن كَان غَيْرُه
ثَابِتَا . فَكَان الَّذِي نَذْهَب إِلَيْه أَن عُمَر لَا يُعَلِّم
الْنَّاس عَلَى الْمِنْبَر بَيْن ظَهْرَانَي أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : إِلَا عَلَى مَا عَلَّمَهُم الْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْنَا مِن حَدِيْث
أَصْحَابِنَا حَدِيْث يُثْبِتُه عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم صِرْنَا إِلَيْه وَكَان أَوْلَى بِنَا .قَال : وَمَا هُو ؟ قُلْت :
أَخْبَرَنَا الثِّقَة وَهُو يُحْيِى بْن حَسَّان عَن الْلَّيْث بْن سَعْد
عَن أَبِي الْزُّبَيْر الْمَكِّي عَن سَعِيْد بْن جُبَيْر وطاووس عَن ابْن
عَبَّاس أَنَّه قَال :(كَان
رَسُوْل الْلَّه يُعَلِّمُنَا الْتَّشَهُّد كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآَن
فَكَان يَقُوْل : الْتَحِيَّات الْمُبَارَكَات الْصَّلَوَات الْطَّيِّبَات
لِلَّه سَلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه
سَلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن أَشْهَد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الْلَّه وَأَن مُحَمَّدا رَسُوْل الْلَّه ). قَال الْشَّافِعِي : فَقَال : فَأَنَّى تُرَى
الْرِّوَايَة اخْتَلَفَت فِيْه عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم ؟ فَرَوَى ابْن مَسْعُوْد خِلَاف هَذَا وَرَوَّى أَبُو مُوْسَى
خِلَاف هَذَا وَجَابِر خِلَاف هَذَا وَكُلُّهَا قَد يُخَالِف بَعْضُهَا
بَعْضَا فِي شَيْء مِن لَفْظِه ثُم عَلِم عُمَر خِلَاف هَذَا كُلِّه فِي
بَعْض لَفْظِه . وَكَذَلِك تَشَهُّد عَائِشَة وَكَذَلِك تَشَهُّد ابْن
عُمَر لَيْس فِيْهَا شَيْء إِلَّا فِي لَفْظِه شَيْء غُيِّر مَا فِي لَفْظ
صَاحِبُه وَقَد يَزِيْد بَعْضُهَا الْشَّيْء عَلَى بَعْض فَقُلْت لَه :
الْأَمْر فِي هَذَا بَيْن . قَال : فَأَبِنْه لِي ؟ قُلْت : كُل كَلَام
أُرِيْد بِه تَعْظِيْم الْلَّه فَعَلَّمَهُم رَسُوْل الْلَّه فَلَعَلَّه
جَعَل يُعَلِّمُه الْرَّجُل فَيَحْفَظُه وَالْآخَر فَيَحْفَظُه ، وَمَا
أَخَذ حِفْظَا فَأَكْثَر مَا يَحْتَرِس فِيْه مِنْه إِحَالَة الْمَعْنَى
فَلَم تَكُن فِيْه زِيَادَة وَلَا نَقَص وَلَا اخْتِلَاف شَيْء مِن
كَلَامِه يُحْيِل الْمَعْنَى فَلَا تِسْع إِحَالَتَه فَلَعَل الْنَّبِي
أَجَاز لِكُل امْرِئ مِنْهُم كَمَا حَفِظ إِذَا كَان لَا مَعْنَى فِيْه
يُحِيْل شَيْء عَن حُكْمِه وَلَعَل مَن اخْتَلَفَت رِوَايَتِه وَاخْتُلِف
تَشْهَدُه إِنَّمَا تَوَسَّعُوْا فِيْه فَقَالُوَا عَلَى مَا حَفِظُوْا
وَعَلَى مَا حَضَرَهُم وَأُجِيز لَهُم قَال : أَفَتَجِد شَيْئا يَدُل عَلَى
إِجَازَة مَا وَصَفْت ؟ فَقُلْت : نَعَم قَال : وَمَا هُو ؟ قُلْت :
أَخْبَرَنَا مَالِك عَن ابْن شِهَاب عَن عُرْوَة عَن عَبْد الْرَّحْمَن بْن
عَبْد الْقَارِي قَال " سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُوْل سَمِعْت
هِشَام بْن حَكِيْم بْن حِزَام يَقْرَأ سُوْرَة الْفُرْقَان عَلَى غَيْر
مَا أَقْرَؤُهَا وَكَان الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
أَقْرِئْنِيُّهَا فَكَدْت أَعْجَل عَلَيْه ثُم أَمْهَلْتُه حَتَّى انْصَرَف
ثُم لَبَّبْتُه بِرِدَائِه فَجِئْت بِه إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه
عَلَيْه وَسَلَّم فَقُلْت : يَا رَسُوْل الْلَّه إِنِّي سَمِعْت هَذَا
يَقْرَأ سُوْرَة الْفُرْقَان عَلَى غَيْر مَا أُقُرِئْتَنِيُّهَا فَقَال
لَه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : (اقْرَأ
فَقَرَأ الْقِرَاءَة الَّتِي سَمِعْتُه يَقْرَأ فَقَال رَسُوْل الْلَّه
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : هَكَذَا أُنْزِلَت ثُم قَال لِي :
اقْرَأ فَقَرَأْت فَقَال : هَكَذَا أُنْزِلَت إِن هَذَا الْقُرْآَن أُنْزِل
عَلَى سَبْعَة أَحْرُف فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّر ) قَال : فَإِذَا كَان الْلَّه لِرَأْفَتِه بِخَلْقِه أَنْزَل
كِتَابَه عَلَى سَبْعَة أَحْرُف مَعْرِفَة مِنْه بِأَن الْحِفْظ قَد يَزِل
لِيُحِل لَهُم قِرَاءَتَه وَإِن اخْتَلَف الْلَّفْظ فِيْه مَا لَم يَكُن
فِي اخْتِلَافِهِم إِحَالَة مَعْنَى كَان مَا سِوَى كِتَاب الْلَّه أَوْلَى
أَن يَجُوْز فِيْه اخْتِلاف الْلَّفْظ مَا لَم يَحُل مَعْنَاه وَكُل مَا
لَم يَكُن فِيْه حُكْم فَاخْتِلَاف اللَّفْظ فِيْه لَا يُحِيْل مَعْنَاه
وَقَد قَال بَعْض الْتَّابِعِيْن لَقِيْت أُنُاسا مِن أَصْحَاب رَسُوْل
الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَاجْتَمَعُوْا فِي الْمَعْنَى
وَاخْتَلَفُوَا عَلَي فِي الْلَّفْظ فَقُلْت لِبَعْضِهِم ذَلِك فَقَال لَا
بِئْس مَا لَم يُحْيِل الْمَعْنَى قَال الْشَّافِعِي : فَقَال : مَا فِي
الْتَّشَهُّد إِلَا تَعَظِيْم الْلَّه وَإِنِّي لَأَرْجُو أَن يَكُوْن كُل
هَذَا فِيْه وَاسِعَا وَأَن لَا يَكُوْن الِاخْتِلَاف فِيْه إِلَّا مِن
حَيْث ذَكَرْت ] الْرِّسَالَة ص277-283
وَقَال الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَر :[ وَلَمَّا عَلِم
مَالِك أَن الْتَّشَهُّد لَا يَكُوْن إِلَّا تَوْقِيفِا عَن الْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم اخْتَار تَشْهَد عُمَر لِأَنَّه كَان
يَعْلَمُه لِلْنَّاس وَهُو عَلَى الْمِنْبَر مَن غَيَّر نَّكِير عَلَيْه
مِن أَحَد مِن الْصَّحَابَة وَكَانُوْا مُتَوَافِرِين فِي زَمَانِه
وَأَنَّه كَان يَعْلَم ذَلِك مَن لَم يَعْلَمْه مَن الْتَّابِعِيْن
وَسَائِر مَن حَضَرَه مِن الْدَّاخِلِيْن فِي الْدِّيْن وَلَم يَأْت عَن
أَحَد حَضَرَه مِن الْصَّحَابَة أَنَّه قَال : لَيْس كَمَا وَصَفْت . وَفِي
تَسْلِيْمَهُم لَه ذَلِك مَع اخْتِلَاف رِوَايَاتِهِم عَن الْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فِي ذَلِك دَلِيْل عَلَى الْإِبَاحَة
وَالتَّوْسِعَة فِيْمَا جَاء عَنْه مِن ذَلِك عَلَيْه الْسَّلَام مَع
أَنَّه مُتَقَارِب كُلِّه قَرِيْب فِي الْمَعْنَى بَعْضُه مِن بَعْض
إِنَّمَا فِيْه كَلِمَة زَائِدَة فِي ذَلِك الْمَعْنَى أَو نَاقِصَة ] الِاسْتِذْكَار 4/274
. وَقَال الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَر أَيْضا :[ وَتَشْهَد ابْن مَسْعُوْد
ثَابِت أَيّضا مِن جِهَة الْنَّقْل عِنْد جَمِيْع أَهْل الْحَدِيْث
مَرْفُوْع إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَهُو :
الْتَّحِيَّات لِلَّه وَالْصَّلَوَات وَالْطَّيِّبَات الْسَّلام عَلَيْك
أَيُّهَا الْنَّبِي وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه . الْسَّلام عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن أَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَى
الْلَّه وَأَن مُحَمَّدا عَبْدُه وَرَسُوْلُه . وَبِه قَال الْثَّوْرِي
وَالْكُوَفِيُّوْن وَأَكْثَر أَهْل الْحَدِيْث وَكَان أَحْمَد بْن خَالِد
بِالْأَنْدَلُس يَخْتَارُه وَيَمِيْل إِلَيْه وَيَتَشَهَّد بِه . وَقَال
أَبُو حَنِيْفَة وَأَبُو يُوَسُف وَمُحَمَّد وَأَبُو ثَوْر : أَحَب
الْتَّشَهُّد إِلَيْنَا تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد الَّذِي رَوَاه عَن
الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَهُو قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق
وَدَاوُد . وَأَمَّا الْشَّافِعِي وَأَصْحَابِه وَالْلَّيْث بْن سَعْد
فَذَهَبُوا إِلَى تَشْهَد ابْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاه عَن الْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم . قَال الْشَّافِعِي : هُو أَحَب
الْتَّشَهُّد إِلَي . رَوَاه الْلَّيْث بْن سَعْد عَن أَبِي الْزُّبَيْر
عَن سَعِيْد بْن جُبَيْر وَطَاوُوْس عَن ابْن عَبَّاس قَال : كَان رَسُوْل
الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُعَلِّمُنَا الْتَّشَهُّد كَمَا
يُعَلِّمُنَا الْقُرْآَن فَكَان يَقُوْل :( الْتَحِيَّات
الْمُبَارَكَات الْصَّلَوَات الْطَّيِّبَات لِلَّه سَلَام عَلَيْك
أَيُّهَا الْنَّبِي وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه سَلَام عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَاد الْلَّه الْصَّالِحِيْن أَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الْلَّه وَأَن مُحَمَّدا رَسُوْل الْلَّه
) . وَرُوِي عَن أَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِي مَرْفُوْعا وَمَوْقُوْفَا
نَحْو تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد . وَرُوِي عَن عَلِي أَكْمَل مِن هَذِه
الرِّوَايَات كُلَّهَا . وَفِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن عُمَر وَعَائِشَة مَا
قَد عَلِمْت وَاخْتِيَار الْعُلَمَاء مِن ذَلِك مَا ذَكَرْت لَك وَكُل
حَسَن إِن شَاء الْلَّه . وَالَّذِي أَقُوْل بِه - وَبِاللَّه
الْتَّوْفِيْق – أَن الِاخْتِلَاف فِي الْتَّشَهُّد وَفِي الْأَذَان
وَالْإِقَامَة وَعَدَد الْتَّكْبِير عَلَى الْجَنَائِز وَمَا يُقْرَأ
وَيُدْعَى بِه فِيْهَا وَعَدَد الْتَّكْبِيْر فِي الْعِيْدَيْن وَرَفَع
الْأَيْدِي فِي رُكُوْع الْصَّلاة وَفِي الْتَّكْبِير عَلَى الْجَنَائِز
وَفِي الْسَّلَام مِن الْصَّلاة وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْن وَفِي وَضْع
الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة وَسَدَل الْيَدَيْن وَفِي
الْقُنُوْت وَتَرَكَه وَمَا كَان مِثْل هَذَا كُلُّه اخْتِلَاف فِي مُبَاح
كَالْوُضُوْء وَاحِدَة وَاثْنَتَيْن وَثَلَاثَا … وَكُل مَا وَصَفْت لَك
قَد نَقَلْتُه الْكَافَّة مِن الْخَلَف عَن الْسَّلَف وَنَقَلَه
الْتَّابِعُوْن بِإِحْسَان عَن الْسَّابِقِيْن نَقْلِا لَا يَدْخُلُه غَلَط
وَلَا نِسْيَان لِأَنَّهَا أَشْيَاء ظَاهِرَة مَعْمُوْل بِهَا فِي
بُلْدَان الْإِسْلَام زَمَنَا بَعْد زَمَن لَا يَخْتَلِف فِي ذَلِك
عُلَمَاؤُهُم وَعَوَامَّهُم مِن عَهْد نَبِيِّهِم صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم وَهَلُم جَرَّا فَدَل عَلَى أَنَّه مُبَاح كُلِّه إِبَاحَة
تَوْسِعَة وَرَحْمَة وَالْحَمْد لِلَّه ] .الِاسْتِذْكَار 4/277-283
قَال شَيْخ الْإِسْلام ابْن تَيْمِيَّة عِنْد حَدِيْثِه
عَمَّا يَقَع فِيْه الْخِلَاف مِمَّا يَتَعَلَّق بِصِفَات الْعِبَادَات مَا
نَصُّه :[ وَالْقِسْم الْثَّالِث مَا قَد ثَبَت عَن الْنَّبِي صَلَّى
الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فِيْه أَنَّه سَن الْأَمْرَيْن لَكِن بَعْض أَهْل
الْعِلْم حَرَّم أَحَد الْنَّوْعَيْن أَو كَرِهَه لِكَوْنِه لَم يَبْلُغَه
أَو تَأَوَّل الْحَدِيْث تَأْوِيْلَا ضَعِيْفَا وَالْصَّوَاب فِي مَثَل
هَذَا أَن كُل مَا سَنَّه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
لَأْمَتَه فَهُو مَسْنُون لَا يَنْهَى عَن شَيْء مِنْه وَإِن كَان بَعْضُه
أَفْضَل مِن ذَلِك فَمَن ذَلِك أَنْوَاع الْتَّشَهُّدَات فَإِنَّه قَد
ثَبَت فِي الْصَّحِيْحَيْن عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد وَثَبِّت عَنْه فِي صَحِيْح مُسْلِم تَشْهَد أَبِي
مُوْسَى وَأَلْفَاظِه قَرِيْبَة مِن أَلْفَاظِه وَثَبِّت عَنْه فِي صَحِيْح
مُسْلِم تَشْهَد ابْن عَبَّاس وَفِي الْسُّنَن تَشْهَد ابْن عُمَر
وَعَائِشَة وَجَابِر وَثَبَت فِي الْمُوَطَّأ وَغَيْرِه أَن عُمَر بْن
الْخَطَّاب عَلِم الْمُسْلِمِيْن تَشَهَّدَا عَلَى مِنْبَر الْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَلَم يَكُن عُمَر لِيُعَلِّمَهُم
تَشَهَّدَا يُقِرُّوَنُه عَلَيْه إِلَّا وَهُو مَشْرُوْع فَلِهَذَا كَان
الْصَّوَاب عِنْد الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقِيْن أَن الْتَّشَهُّد بِكُل مِن
هَذِه جَائِز لَا كَرَاهَة فِيْه وَمَن قَال إِن الْإِتْيَان بِأَلْفَاظ
تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد وَاجِب كَمَا قَالَه بَعْض أَصْحَاب أَحْمَد فَقَد
أَخْطَأ ] مَجْمُوْع الْفَتَاوَى 22/285-286
وَقَال
الْشَّيْخ ابْن قدامه الْمَقْدِسِي :[ وَبِأَي تَشَهُّد تَشْهَد مِمَّا
صَح عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم جَاز ، نَص عَلَيْه
أَحْمَد فَقَال : تَشْهَد عَبْد الْلَّه أَعْجَب إِلَي وَإِن تَشَهَّد
بِغَيْرِه فَهُو جَائِز لِأَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
لَمَّا عِلْمِه الْصَّحَابَة مُخْتَلِفَا دَل عَلَى جَوَاز الْجَمِيْع
كَالْقِرَاءَات الْمُخْتَلِفَة الَّتِي أشتمل عَلَيْهَا الْمُصْحَف قَال
الْقَاضِي وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّه إِذَا أَسْقَط لَفْظَة هِي سَاقِطَة
فِي بَعْض الْتَّشَهُّدَات الْمَرْوِيَّة صَح تَشْهَدُه ] الْمُغْنِي 1/385 .
وَقَال
الْإِمَام الْنَّوَوِي بَعْد أَن ذَكَر أَحَادِيْث الْتَّشَهُّد
الْمُخْتَلِفَة :[ فَهَذِه الْأَحَادِيْث الْوَارِدَة فِي الْتَّشَهُّد
وَكُلّهَا صَحِيْحَة وَأَشَدُّهَا صِحَّة بِاتِّفَاق الْمُحَدِّثِيْن
حَدِيْث ابْن مَسْعُوْد ثُم حَدِيْث ابْن عَبَّاس ، قَال الْشَّافِعِي
وَالْأَصْحَاب : وَبِأَيِّهَا تَشْهَد أَجْزَأَه ، لَكِن تَشْهَد ابْن
عَبَّاس أَفْضَل وَهَذَا مَعْنَى قَوْل الْمُصَنِّف : وَأَفْضَل
الْتَّشَهُّد أَن يَقُوْل إِلَى آَخِرِه ، فَقَوْلُه أَفْضَل الْتَّشَهُّد
دَلِيْل عَلَى جَوَاز غَيْرِه ، وَقَد أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز
كُل وَاحِد مِنْهَا وَمِمَّن نَقَل الْإِجْمَاع الْقَاضِي أَبُو الْطَّيِّب
] الْمَجْمُوْع 3/457 .
وَقَال
الْشَّوْكَانِي فِيْمَا نَقَلَه عَنْه صَاحِب الْرَّوْضَة الْنَّدِيَّة :[
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُعْلَم أَن الْتَّشَهُّد وَأَلْفَاظ الصَّلَاة
عَلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم كُلَّهَا مُجْزِئَة إِذَا
وَرَدَت مِن وَجْه مُعْتَبَر وَتَخْصِيص بَعْضَهَا دُوْن بَعْض كَمَا
يَفْعَلُه بَعْض الْفُقَهَاء قُصُوْر بَاع وَتَحَكُّم مَّحْض وَأَمَّا
اخْتِيَار الْأَصَح مِنْهَا وَإِيْثَارُه مَع الْقَوْل بِإِجْزَاء غَيْرَه
فَهُو مِن اخْتِيَار الْأَفْضَل مِن المُتَفَاضَلَات وَهُو مِن صَنِيْع
الْمَهَرَة بِعِلْم الِاسْتِدْلَال وَالْأَدِلَّة . انْتَهَى . وَقَال فِي
مَوْضِع آَخَر : الْتَّشَهُّدَات الثَّابِتَة عَنْه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم مَوْجُوْدَة فِي كُتُب الْحَدِيْث فَعَلَى مَن رَام الَّتَمَسُّك
بِمَا صَح عَنْه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَن يَنْظُرَهَا فِي
دَوَاوِيْن الْإِسْلام الْمَوْضُوْعَة لِجَمْع مَا وَرَد مِن الْسُّنَّة
وَيَخْتَار أَصَحُّهَا وَيَسْتَمِر عَلَيْهَا أَو يَعْمَل تَارَة بِهَذَا
تَارَة بِهَذَا مَثَلا يَتَشَهَّد فِي بَعْض الْصَّلَوَات بِتَشَهُّد ابْن
مَسْعُوْد وَفِي بَعْضِهَا بِتَشَهُّد ابْن عَبَّاس وَفِي بَعْضِهَا
بِتَشَهُّد غَيْرِهِمَا فَالكُل وَاسِع وَالْأَرْجَح هُو الْأَصَح لَكِن
كَوْنُه الْأَصَح لَا يُنَافِي إِجْزَاء الْصَّحِيْح . انْتَهَى ] الْرَّوْضَة الْنَدِيَّة 1/27-272 .
وَقَال
الْشَّيْخ وَلِي الْلَّه الْدِّهْلَوِي :[ وَجَاء فِي الْتَّشَهُّد صِيَغ
أَصَحُّهَا تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد رَضِي الْلَّه عَنْه ثُم تَشَهَّد ابْن
عَبَّاس وَعُمَر رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا وَهِي كَأَحْرُف الْقُرْآَن
كُلّهَا شَاف كَاف ] حُجَّة الْلَّه الْبَالِغَة 2/20 .
وَقَال
الْعَلَّامَة مُحَمَّد بْن عُثَيْمِيْن :[ وَأَمَّا مَا وَرَد فِي صَحِيْح
الْبُخَارِي عَن عَبْد الْلَّه بْن مَسْعُوْد رَضِي الْلَّه عَنْه
إِنَّهُم كَانُوْا يَقُوْلُوْن بَعْد وَفَاة الْرَّسُوْل صَلَّى الْلَّه
عَلَيْه وَسَلَّم " الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي وَرَحْمَة الّه
وَبَرَكَاتُه " فَهَذَا مِن اجْتِهَادَاتِه رَضِي الْلَّه عَنْه الَّتِي
خَالَفَه فِيْهَا مَن هُو أَعْلَم مِنْه عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِي
الْلَّه عَنْه فَإِنَّه خَطَب الْنَّاس عَلَى مِنْبَر رَسُوْل الْلَّه
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَقَال فِي الْتَّشَهُّد " الْسَّلَام
عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي وَرَحْمَة الْلَّه " كَمَا رَوَاه مَالِك فِي
الْمُوَطَّأ بِسَنَد مِن أَصَح الْأَسَانِيْد وَقَالَه عُمَر بِمَحْضَر
الْصَّحَابَة رَضِي الْلَّه عَنْهُم وَأَقَرُّوه عَلَى ذَلِك ثُم إِن
الْرِّسَوْل عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام عَلِم أُمَّتِه حَتَّى إِنَّه
كَان يُعَلِّم ابْن مَسْعُوْد وَكَفُّه بَيْن كَفَّيْه مِن أَجْل أَن
يَسْتَحْضِر هَذَا الْلَّفْظ وَكَان يُعَلِّمُهُم إِيَّاه كَمَا
يُعَلِّمُهُم الْسُّوْرَة مِن الْقُرْآَن وَهُو يَعْلَم أَنَّه سَيَمُوْت
لِأَن الْلَّه قَال لَه ( إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُم مَّيِّتُون ) وَلَم يَقُل بَعْد مَوْتِي قُوْلُوْا "
الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي " بَل عِلْمُهُم الْتَّشَهُّد كَمَا
يُعَلِّمُهُم الْسُّوْرَة مِن الْقُرْآَن بِلَفْظِهَا وَلِذَلِك لَا
يَعُوْل عَلَى اجْتِهَاد ابْن مَسْعُوْد بَل يُقَال " الْسَّلَام عَلَيْك
أَيُّهَا الْنَّبِي " ] الْشَّرْح المِّمُمَتّع 3/209-210 .
وَقَد
أَجَابَت اللَّجْنَة الدَّائِمَة لِلْبُحُوْث الْعِلْمِيَّة وَالْإِفْتَاء
الْسُّعُوْدِيَّة بِرَئَاسَة الْشَّيْخ ابْن بَاز عَن سُؤَال نَصُّه :[
فِي الْتَّشَهُّد هَل يَقُوْل الْإِنْسَان " الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا
الْنَّبِي " أَم يَقُوْل " الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي " لَأَن عَبْد
الْلَّه بْن مَسْعُوْد رَضِي الْلَّه عَنْه قَال كُنَّا نَقُوُل قَبْل
وَفَاة الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم " الْسَّلَام عَلَيْك
أَيُّهَا الْنَّبِي " وَبَعْد مَوْتِه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
كُنَّا نَقُوُل " الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي " ؟
الْجَوَاب
: الْصَّحِيْح أَن يَقُوْل الْمُصَلِّي فِي الْتَّشَهُّد الْسَّلَام
عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه لِأَن هَذَا
هُو الْثَّابِت فِي الْأَحَادِيْث وَأَمَّا مَا رُوِي عَن ابْن مَسْعُوْد
رَضِي الْلَّه عَنْه فِي ذَلِك إِن صَح عَنْه فَهُو اجْتِهَاد مِن فَاعِلِه
لَا يُعَارِض بِه الْأَحَادِيْث الْثَّابِتَة وَلَو كَان الْحُكْم
يَخْتَلِف بَعْدِه وَفَاتِه عَنْه فِي حَيَاتِه لَبَيَّنَه لَهُم صَلَّى
الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ] فَتَاوَى الْلَّجْنَة الْدَّائِمَة 7/10-11 .
يَقُوْل الْدُّكْتُوْر حُسَام الْدِّيْن عَفَانِه أُسْتَاذ الْفِقْه وَأُصُوْلِه بِجَامِعَة الْقُدُس :
لَيْس
غَلَطَا أَن يَقُوْل الْمُصَلِّي " الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي
" فِي الْتَّشَهُّد بَل هُو صَوَاب لَا شَك فِي ذَلِك وَلَا رَيْب
،وَكَيْف يَكُوْن غَلَطَا وَقَد قَالَه عَدَد مِن صَحَابَة رَسُوْل الْلَّه
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم كَعُمَر وَابْنِه عَبْد الْلَّه،وَابْن
عَبَّاس،وَعَائِشَة،وَأَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِي، وَغَيْرِهِم، وَهُو
ثَابِت عَنْهُم رَضِي الْلَّه عَنْهُم أَجْمَعِيْن، وَعَلَيْه جَمَاهِيْر
أَهْل الْعِلْم .
وَيَنْبَغِي
أَن يُعَلِّم أَنَّه قَد وَرَد عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم عِدَّة صِيَغ فِي الْتَّشَهُّد، وَقَد ذَكَر الْشَّيْخ
الْأَلْبَانِي خَمْسَا مِن صِيَغ الْتَّشَهُّد ثَابِتَة عَن الْنَّبِي
صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ، وَهِي تَشْهَد ابْن مَسْعُوْد، وَابْن
عَبَّاس، وَابْن عُمَر، وَأَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِي، وَعُمَر بِن
الْخَطَّاب رَضِي الْلَّه عَنْهُم أَجْمَعِيْن ،وَلَيْس فِي الصِّيَغ
الْأَرْبَع الْأَخِيرَة سِوَى قَوْل " الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا
الْنَّبِي " .كَمَا ذَكَر ذَلِك الْشَّيْخ الْأَلْبَانِي بِنَفْسِه فِي
صِفَة صَلَاة الْنَبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم .
وَقَد
قَرَّر الْمُحَقِّقُوْن مِن أَهْل الْعِلْم أَن اخْتِلَاف صِيَغ
الْتَّشَهُّد الْوَارِدَة عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
إِنَّمَا هِي مِن اخْتِلَاف الْتَنَوُّع وَلَيْسَت مِن اخْتِلَاف
الْتَّضَاد . فَإِذَا جَاء الْمُصَلِّي بِأَي صِيْغَة مِنْهَا أَجْزَأَه
وَلَا حَرَج عَلَيْه، وَلَا يَصِح حَمْل الْمُصَلِّي عَلَى صِيْغَة
وَاحِدَة فَقَط وَهِي قَوْل " الْسَّلَام عَلَى الْنَّبِي "
وَخُلَاصَة
الْأَمْر إِن الْقَوْل بِأَن مَن الْغَلَط أَن يَقُوْل الْمُصَلِّي فِي
تَشَهُّدِه " الْسَّلَام عَلَيْك أَيُّهَا الْنَّبِي " قَوْل خَاطِئ
وُتَحْجِيْر لَوَاسِع وَظَهَر لَنَا مِن أَقْوَال كِبَار أَهْل الْعِلْم
أَن الْأَمْر فِيْه سَعَة وَأَن الْمُصَلِّي إِذَا جَاء بِأَي صِيْغَة مِن
صِيَغ الْتَّشَهُّد الثَّابِتَة عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم فَإِن ذَلِك مُجْزِئ إِن شَاء الْلَّه .والله أعلم.
_________________________________________________
المرجع للمقالة/ شبكة السنة النبوية وعلومها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق